السعودية وعودة الأوبئة

TT

في أربعة أشهر فقط سجلت مستشفيات مدينة واحدة 75 إصابة بالسل، وسبع حالات جرب، و154 إصابة بالجدري المائي، إضافة إلى إصابات بأوبئة جديدة مثل حمى الضنك، 330 إصابة، وكذلك الالتهاب الكبدي بفئاته الثلاث أكثر من مائتين وأربعين حالة، وهناك أكثر من خمسين إصابة بـ«السالمونيلا»، وعشر حالات ملاريا، وتسع حالات حمى مالطية. هذه جميعها أمراض معدية سجلت في مدينة مكة المكرمة، وسُجلت أرقام مقلقة أخرى في ثلاث مدن مجاورة من بينها جدة.

صحيح أنها أخبار مزعجة إلا أن وزارة الصحة السعودية تشكر على شفافيتها، وتحذيراتها، فالأرقام لا تحتاج إلى شرح الوضع وتكفي لدق ناقوس الخطر، خاصة أنها تقول سجلت حالات 15 وباء معديا. والواضح جغرافيا أن هذه الأمراض المنقرضة انتقلت، على الأرجح، مع الحجيج والمعتمرين والعمالة، الذين يفدون من أنحاء العالم، وأكثرهم من مناطق فقيرة في أفريقيا وآسيا التي لا تزال تستوطنها الأوبئة. ما العمل خاصة أن الأرقام تتزايد، عدد الوافدين وعدد المصابين؟ بلد مثل السعودية يواجه بشكل استثنائي هذا الخطر بسبب وظيفته الدينية وحاجاته التنموية، وأعتقد أن الوضع الجديد يفرض التعامل مع المشكلة على أنها مشكلة أمن قومي لا تقل عن أي خطر أمني وسياسي آخر.

فالأوبئة قضت على أمم وحضارات بأكملها، والدراسات ترجح أن الحضارة العربية نفسها في الأندلس تهاوت أولا بسبب الطواعين لا الحروب التي كانت مجرد قشة أخيرة. واليوم الخطر تراجع حيث يمكن دحضه صحيا إلا إذا أهملت علاماته الأولى كما نرى اليوم من بيانات وزارة الصحة الأولية. ويصعب وقف زحف الأوبئة من دون خطة كبرى تتطلب أولا وقف التنازع الإداري داخل الحكومة حول الواجبات، على اعتبار أن انتشار هذه الأمراض ومكافحتها مسؤولية تشترك فيها الجهات الأمنية والبلدية والزراعية والحيوانية إلى جانب الجهة الأهم وهي الصحة. وتلتقي هذه الأجهزة، أو تفترق، حول مسائل مراقبة الداخلين عبر الحدود، وردم المستنقعات، ورش المزارع، وإعطاء التراخيص للاستيراد الحيواني والأغذية، والحملات الطبية والصحية والتوعية المستمرة.

وهذه الأمراض ربما ينقلها فقير من منطقة نائية في آخر العالم لكن تصبح مشكلة الغني والفقير، سكان المدن والقرى. والحديث ليس عن وقف الأمراض المعدية المهلكة، مثل الجدري والسل وحمى الضنك، فقط لأنها دخلت البلاد، لكن السؤال كيف يمكن وقف انتشارها حتى لا تصبح وباء مستوطنا، كما حدث مع حمى الضنك الذي صار مستوطنا بعد أن تأخروا في مكافحته في بداياته، وقد فشلت الجهود التي بذلت على مدى ثلاث سنوات مضت لاقتلاعه.

ويحتار المرء كيف تم الإعلان عن القضاء على هذه الأوبئة مثل الجدري وها هي تعود؟ السبب يعود إلى أن الحكومات الغربية هي الجهة النشطة في مكافحة الأوبئة لكنها أوقفت حملاتها قبل نحو أربعين عاما لأنه لم يعد يرصد لها أي أثر في أوروبا وأميركا، واعتبرت بذلك نهاية الأوبئة. الذي حدث أنها استمرت في الدول الفقيرة، التي تعجز وحدها عن محاربتها بإمكاناتها البسيطة، فالملاريا انتهت في أوروبا لكنها استمرت تفتك بالملايين في أفريقيا إلى اليوم، والجميع يشعر بالمسؤولية حيال هذه الدول الفقيرة، ونعلم جميعا أنه مع ظاهرة السفر والهجرات لم يعد هناك أحد بمنأى عن الخطر وأصبحت المسؤولية جماعية.

[email protected]