البشر كلهم لصوص

TT

من النادر، بل إنني أكاد أجزم أنه من المستحيل، أن يكون هناك إنسان لم يتورط يوما في سرقة ما، أو لم يسرق منه شيء ما، فكل البشر هم مجرد لصوص بشكل أو بآخر، أرجوكم تذكروا (لا تستحوا)، إن لم يسرق بعضهم في الكبر فقد سرقوا في الصغر حتى ولو (حبة حلاوة)، والعكس أيضا صحيح، لكن أغلب الناس مع الأسف لا يدركون ذلك ولا يعترفون.

وعن نفسي لا بد أن أعترف - وأنتم تعرفونني فأنا ولا فخر ملك الاعترافات غير المتوج - (فياما) ياما سرقت وانسرقت، وبعض تلك السرقات مادية هزلية وآخرها سرقتي لقلم رخيص، وأكثرها معنوية وآخرها سرقتي لعين ساحرة.

لا أريد اليوم أن أحدثكم عن سرقاتي المادية أو المعنوية، فأخشى ما أخشاه أن يقام علي الحد علنيا، وهذه بالنسبة لي هي مصيبة المصائب، فوقتها من أين أجيء لي بيد أكتب بها؟! ومن أين أجيء لي بقلب لكي أعشق به؟!

لهذا سوف أقصر كلامي اليوم على السرقات التي تعرضت لها وما أكثرها، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنني (مهوّي) ومضيع مفاتيحي.

وقبل أن أدخل في الموضوع لا بد أن أوضح أن ربي قد بلاني بحب السفر وارتياد ومطاردة المعارض في كل بقاع الأرض كلما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإنني أهاجر لذلك ليس لتجارة أصيبها ولا امرأة أنكحها، لكن هجرتي هي فقط للعلم بالشيء، وللوقوف على مواطن الجمال والتفوق الذي أبدعه الإنسان.

وفي أحد الأيام خرجت من أحد المعارض الذي كان بجانب مطار شارل ديغول في باريس، وكان الوقت شتاء ماطرا، فتراكضت وتزاحمت مع المتزاحمين لركوب (المترو)، وبينما أنا واقف وملتصق بالمتلاصقين، إذا بسيدة جالسة تنادي علي (مسيو سديري)، كررت نداءها هذا ثلاث أو أربع مرات، وكنت أسمع اسمي و(أصهين) معتقدا أنها معجبة سخيفة من المعجبات، وحيث إنني كنت وقتها زهقان ولست بناقص غلب، لهذا لم أرد عليها، لكنني أخيرا ما إن ضربت نحوها بعيني حتى وجدتها ترفع بيدها كارت (الفيزا) العائد لي، وخبطت بيدي لا شعوريا على جيبي فلم أجد محفظة نقودي، وتبين لي بعد ذلك أن لصا استغل تدافع الناس للدخول للمترو فنشل محفظتي، وبما أنه لص (جنتل مان) فقد سحب (الكارت) وقذف به من النافذة المفتوحة، واستقر في حضن تلك المرأة الطيبة التي أخذت تعلن عنه. تسلمته منها وشكرتها، ولو أنني شاهدت ذلك اللص لشكرته على موقفه ذلك بحرارة، ولقلت له حلال عليك الدراهم يا حلو، روح اسهر بها ولا تنس تتذكرني.

وذلك الحرامي هو أطيب من حرامي آخر سرق من سيدة كندية بطاقتها أو كارتها البنكي، ولم تعرف المسكينة بتلك السرقة إلا في اليوم الثاني، فبلغت عن السرقة وألغي مفعول الكارت.

غير أنه من حسن حظها أن ذلك اللص الغبي توجه بعد سرقته رأسا إلى سباق الخيل، وراهن على إحدى الخيول بواسطة الكارت، وفاز بالجائزة الأولى، وإذا بهم حسب الأنظمة المتبعة يحولون مبلغ الجائزة (أوتوماتيكيا) إلى حساب صاحبة الكارت.

وتفاجأت السيدة المسروقة بأن مبلغا كبيرا ينزل من السماء ويدخل في حسابها، وكأنه رزق هبط عليها من حيث لا تحتسب، ولو أنها عرفت عن السرقة في حينها وألغت الكارت لما حصلت على ذلك المال، ولا أكذب عليكم إنني حسدت تلك السيدة وتمنيت لو أنني كنت أنا هي.

لا تقولوا لي (عيب ما عيب)، أنا أقول لكم الحقيقة وبس.

[email protected]