ضابط الثقافة

TT

يرد الدكتور جابر عصفور على منتقدي فكرة وجود وزارة للثقافة بتعداد مآثر مشاهير الوزراء: أندريه مالرو في فرنسا، ميلينا ميركوري في اليونان، وثروت عكاشة في مصر: «ولم يفتني تذكر ثروت عكاشة ودوره المجيد في إنقاذ آثار النوبة وإنشاء أكاديمية الفنون والثقافة الجماهيرية ومعارض الكتب بأرخص الأسعار».

الحقيقة أنه لكي نعرف مدى مساهمات ثروت عكاشة في الحياة الثقافية المصرية، يجب أن نقرأ المجلد الذي وضعه في هذا الصدد.

لم يكن ثروت عكاشة وزيرا للثقافة، وإنما كان وزارة ثقافة ومديرية عامة ونهارا وليلا ثقافيين. ولم يأت إلى الثقافة من الأدب والفقر مثل أندريه مالرو، ولا من السينما مثل ميلينا ميركوري ابنة العائلة الأثينية الأرستقراطية، بل جاء إليها ضابطا من القوات المسلحة. وأدرك الضابط السابق أن التقشف في الرغيف أسهل من التقشف في الكتاب. وبعد خروجه من الوزارة جعل العمل الثقافي حياته.

أعيد بناء المكتبة الوطنية في لبنان بمنحة من أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني. وتقديرا لعطائه وضعت صورته على مدخل كلية الحقوق، في مدينة كانت أيام روما مركز تدريس القوانين في العالم. ولقطر مساعدات كثيرة في لبنان، منها استضافة جميع سياسييه لإرغامهم على التوافق طوال وجودهم في شيراتون الدوحة، ومنها حضور أمير قطر ورئيس وزارته إلى بيروت، للتأكد من أننا انتخبنا رئيسا للجمهورية في دولة قائمة منذ 1920.

وإذ نشكر قطر على كل ما فعلت، وإذ نشكر قطر على كل ما فعلت، لم أفهم لماذا لم تعثر وزارة الثقافة على موازنة لتجديد «المكتبة الوطنية». ونصف تلك المكتبة «الوطنية» عبارة عن كتب وضعها لبنانيون، أو كتب وضعت عن لبنان. المكتبات الوطنية لا تبنى بالاستعارة ولا بالهبات. وبكل صدق أشكر قطر وحسن نواياها. وأنا كعربي أعتز بما تقدمه الشيخة موزة في الحقل الثقافي والأكاديمي. ولم أتأثر لحظة واحدة بأن يساق سياسيو لبنان، مرفوعي الرأس والجبين، إلى دولة حديثة التعاطي في الشأن السياسي العربي، لكي ينشروا غسيلهم على سطوحها.

لا أهمية للبنان السياسي. أما المكتبة الوطنية، فكنت أتمنى وزيرا من طراز ثروت عكاشة، يدور على مطاعم بيروت الفخمة وعلى حفلات بيروت الباذخة وعلى أثرياء لبنان، ليقول لهم: استحوا. مكتبتكم الوطنية في حاجة إلى شيء ضئيل من مالكم. ثم مَن وماذا أنتم من دون تراثكم الثقافي؟