هل تغير الرئيس أوباما؟

TT

كنت أقرأ تقرير مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركيين عن قرارين مهمين. لقد استغرق الكونغرس، الذي يسيطر عليه الحزب الديمقراطي، ستة أشهر حتى يقر التمويل الذي طلبه الرئيس لثلاثين ألف جندي إضافي سيقوم بإرسالهم إلى أفغانستان، في سعي يهدف إلى القضاء على حركة طالبان التي استعادت نشاطها خلال حرب دامت تسعة أعوام.

وأعطى مجلس النواب موافقته النهائية على تمويل مطلوب لدعم الحرب تبلغ قيمته 37 مليار دولار بأغلبية 308 مقابل 114، ولكن كان عدد الذين صوتوا لصالح القرار من الجمهوريين أكثر من الديمقراطيين الذين صوت 102 منهم ضده. وكان مجلس الشيوخ قد أقر مشروع القانون قبل ذلك، وهو الآن أمام أوباما ينتظر توقيعه ليصبح قانونا.

ثمة انقسام كبير بين صفوف الديمقراطيين بشأن الحرب. وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد ضغطت بشدة للحصول على المال، قائلة إنها قد تضطر إلى خفض رواتب المدنيين إذا لم تتم الموافقة على التمويل بحلول أغسطس (آب).

وفي الوقت ذاته، كنت أفكر في الملمح الإنساني لنيكولاس كريستوف المرتبط بالتنافس، والذي عبر عنه في مقال نشر في صحيفة «هيرالد تريبيون» في 30 يوليو (تموز) الماضي تحت عنوان: «جندي واحد أم 20 مدرسة؟».

ويعتقد كريستوف أن الحرب في أفغانستان سوف تكلف الأميركيين هذا العام فقط أكثر مما أنفقوه على حرب الثورة وحرب عام 1812 والحرب المكسيكية والحرب الأهلية والحرب الإسبانية - الأميركية مجتمعين!

والآن يطرح سؤال مهم نفسه: هل هذه الزيادة في المال والقوات في أفغانستان ذات جدوى؟ هل سيحل ذلك المشكلة؟ وهل زيادة القوات جزء من الحل، أم جزء من المشكلة؟ وعلى أي أساس استراتيجي قررت الولايات المتحدة زيادة قواتها في أفغانستان؟ هل هذه استراتيجية جديدة للجنرال بترايوس؟

وأعتقد أن الأميركيين يعانون من غياب الرؤية داخل العراق وأفغانستان والشرق الأوسط. وقد كان أندريه مالرو، وزير الثقافة في حكومة الجنرال ديغول، يجلس على الجانب الأيمن من الرئيس ديغول دائما. وفي يوم من الأيام، سأل أحد وزراء الجنرال ديغول: لماذا لا تدع وزراء آخرين، مثل وزير الداخلية أو وزير الخارجية، يجلسون بجانبك؟ قال ديغول لأن أندريه لديه رؤية إنسانية، وعندما نتحدث ونريد اتخاذ قرار يتعلق بالاقتصاد أو بقضية سياسية، ينظر أندريه، برؤيته الخاصة، إلى القضية من وجهة نظر إنسانية. وأعتقد أن هذا درس مهم بالنسبة لجميع الرؤساء في العالم، ولا سيما رئيس الولايات المتحدة! مَن الذي يجلس على الجانب الأيمن للرئيس عندما يريد اتخاذ قرار؟

وقد ذكر أندريه مالرو مثلا بوذيا في الصفحة الأولى من كتابه الذي لا ينسى، «أنتي ميموري» (ضد الذاكرة)، يقول: إن الفيل هو الحيوان الأكثر حكمة في الكون، وذلك لأنه في كل ليلة وقبل النوم يفكر في يومه الذي مضى.

ويبدو لي هذا هو الوقت للتفكير، ليس بعد يوم واحد، لكن بعد 9 سنوات حان الوقت للأميركيين أن يعيدوا التفكير في الوقت الذي مضى. وماذا كانت نتائج هذه السنوات؟ فعندما نقارن 2001 مع 2010، يمكن أن نرى بوضوح أن الوضع الآن في أفغانستان وحتى في باكستان أصبح أسوأ بكثير.

وينبغي أن تكون مثل هذه الكوارث والمصائب في العراق وأفغانستان وحتى في باكستان جرس إنذار للرئيس أوباما. وفي أيامنا هذه، يمكن للجميع أن يرى بوضوح كيف أن الولايات المتحدة أصبحت تستثمر بشكل كبير في الأدوات العسكرية، فيما انخفض استثمارها في التعليم والثقافة والدبلوماسية.

وقد قال «أبو القنبلة النووية» السوفياتية ذات مرة: «كنت أعتقد أن القنبلة النووية هي السلاح الأكثر خطورة في العالم، لكنني غيرت رأيي، وأرى أن الحقيقة هي أخطر سلاح!» ومن الواضح أنه كان يتحدث عن الحكومة السوفياتية. وقد جاء انهيار الاتحاد السوفياتي ليؤكد كلامه.

ولدينا هذا المثل الفارسي الجميل جدا الذي يقول: إن في يوم من الأيام، توجه ولد طيب إلى النهر ليجلب المياه لعائلته لكن تيار الماء كان قويا بحيث إنه أخذ الصبي بعيدا معه (وكان الفيضان قويا بحيث أخذ الصبي وأغرقه في النهر). لقد كان الشعار الرئيسي لأوباما هو التغيير، لكن أعتقد أن هذا الشعار قد تغير. وربما في المستقبل ستشهد منطقة الشرق الأوسط حربا أخرى، حربا جديدة تستدعي المزيد من الجنود والمال.

واسمحوا لي أن أنظر إلى الشرق الأوسط من منظور آخر. يرى أميركي آخر (مؤلف «ثلاثة أكواب شاي») رأيا آخرا. ولست أدري إذا كنتم قد قرأتم كتاب «ثلاثة أكواب شاي» أم لا. فالكتاب هو قصة غريغ مورتنسون، الذي ذهب إلى أفغانستان وأنشأ عددا من المدارس للأطفال، وبخاصة للفتيات. ويحظى الأميركي مورتنسون بشعبية كبيرة في أفغانستان. إنه جنة مفقودة يجب أن تجلس على الجانب الأيمن للرئيس أوباما لتوضح له أنه لا يمكن نشر وتعزيز السلام والعدل بالقوة والصواريخ. بل تزيد طلقات الرصاص والصواريخ من الهوة الواسعة بالفعل بين أميركا وحلفائها من جانب، والأفغان والباكستانيين من جانب آخر. ودعوني أختتم هذا المقال باقتباس من كتاب «ثلاثة أكواب شاي»:

«إذا كنا نحاول القضاء على الإرهاب بالقوة العسكرية، ولا شيء آخر، فلن نكون أكثر أمانا مما كنا عليه قبل 11 سبتمبر (أيلول)، وإذا كنا نريد حقا أن نترك السلام إرثا لأبنائنا، فعلينا أن نفهم أن هذه هي حرب يمكننا كسبها بالكتب وليس بالقنابل».