أثرياؤنا وأثرياؤهم

TT

أربعون مليارديرا أميركيا يتبرعون بنصف ثرواتهم للعمل الخيري، ومساعدة الفقراء. والحملة مستمرة، وعدد المتبرعين قابل للازدياد، ومن هؤلاء المتبرعين من لم يكتف بالنصف، وتبرع بجل ثروته. فهذه الحملة التي أطلقها الملياردير الأميركي وارين بافيت بالتعاون مع الملياردير بيل غيتس يمكن أن تحرج الكثير من أثرياء العالم الذين يكنزون الذهب والفضة، ويتكالبون على الدرهم والدينار. هذه الحملة الرائعة على الضفة الأخرى من المحيط لم يفرضها نظام شيوعي متسلط على رقاب الأثرياء، ولم تشرع لها ثورة فقراء، ولم ينظّر لها كارل ماركس، أو عمل على تطبيقها لينين، وإنما انطلقت من إحساس أولئك الأثرياء بالمسؤولية تجاه الفقراء والمعدمين في بلد رسمه البعض في أذهان الكثيرين بأنه قفر من العواطف، مجدب من الإحسان.

أربعون مليارديرا أميركيا يتبرعون بنصف ثرواتهم في عمل مؤسساتي منظم، تُكفل له الاستمرارية والنمو، ويمكن أن يمتد أثره إلى شريحة أكبر من الناس في أماكن كثيرة من العالم، من دون تمييز، وبعض أثريائنا لا يزالون - في مشهد أقرب إلى الاستعراضية - يحشدون أمام أبوابهم أكبر عدد من المعدمين في انكسار ليجودوا عليهم خلال شهر رمضان بشيء من زكاة أموالهم.

جل أثريائنا لم يسمعوا بالحكمة الصينية «لا تعط الجائع سمكة، لكن أعطه صنارة، وعلمه كيف يصطاد، لأنك إن أعطيته سمكة تكون قد أطعمته مرة واحدة، أما إن علمته كيف يصطاد تكون قد أطعمته العمر كله»، فلم يزل بعض أثريائنا يتوقفون عند ذيل السمكة، مع التقدير والاستثناء للبعض الآخر من أثريائنا الرائعين.

كم تمنيت أن يعلق عدد من الأثرياء في مجتمعنا الجرس، بإطلاق حملة مماثلة لتلك الحملة التي أطلقها في الولايات المتحدة الأميركية وارين بافيت وبيل غيتس، ولو من باب الإثبات أن لدينا مثل من لديهم من أصحاب النزعات الإنسانية الاستثنائية، وكم وددت أن تنتظم مجالات الصدقة في عمل مؤسساتي منظم يستفيد منه الفقراء على نحو يكفل لهم كرامتهم، ويلبي احتياجاتهم، فلو تكافل المجتمع على نحو منظم لتراجع الفقر، وانحسر الحرمان، وتضاءلت الفروقات، وسادت المحبة، فالفقر جلاب مصائب، ومولد فتن، والجوع غلاب.

[email protected]