ظاهرة فضائية.. عربا وعجما

TT

اكتشفت أميركا، متأخرة كعادتها، أن العرب ليسوا ظاهرة صوتية فحسب، وإنما بسبب قانون التطور أصبحوا ظاهرة فضائية أيضا. وعندما قررت إنشاء فضائيتها فكرت طويلا في ما ينقص العرب، فاكتشفت أنه الحرية.. وهكذا سمت قناتها «الحرة». ويعني ذلك أن تساعد «الحرة» في نشر الديمقراطية نظريا، كما نشرها بول وولفويتز وبول بريمر في العراق تطبيقيا. وهكذا، ما بين النظري والعملي، يأخذ العرب درسا مكثفا في معاني ومفاهيم الحرية، ويمنحون إفادة مدرسية مختومة، تعلق في المطارات والدكاكين ومقاهي النضال.

والمقاهي، كما نعلم، هي حاضنة الحاضنين: النظري والعلمي. فقد كان روادها يفكرون من فوق ويقعدون من تحت، إلى أن يتعرق السقف من فوق ويتعرق المقعد من تحت، ويعود كل واحد إلى منزله وقد استحق عن جدارة غير قابلة للرد، لقب المناضل. لقد نشر المناضلون في المقاهي ثقافة المحبة والتسامح والتجرد والظن الحسن بالآخر وإغلاق السجون وتعميم الوحدة وجعل مصائر الأمة في البلاغات الإذاعية!

لا. الديمقراطية الأميركية، ممثلة في جورج بوش الابن وديك تشيني الأب وبول وولفويتز الصهر، أكثر رسوخا وأغزر ثمرا، وكم هو رائع حصادها. لا أفهم كيف لا يخجل بلد يسمي فضائيته «الحرة» من طرد صحافية من مرتبة أوكتافيا نصر من منصبها ووظيفتها في أشهر فضائية في العالم، أو في «أم الفضائيات» بحسب فهم الراحل صدام حسين لحنان الأمومة وتسامحها.

باستثناء بضع كلمات خجولة في العالم العربي، لم تجد أوكتافيا نصر أي سند، لأنها لا تذيع من تورا بورا. وباستثناء توماس فريدمان، أشهر صحافيي أميركا في السنوات الأخيرة، لم تجد «حرا» واحدا من أحرار الولايات المتحدة يعترض على كونها صرفت بسبب رأي اجتماعي وموقف إنساني.

ولا أعرف خبايا وثنايا القانون الأميركي الذي استخدم لتبرئة أوجي سمبسون عندما كان قاتلا مليونيرا ثم لإدانته عندما أصبح لصا فقيرا. لكنني أدعو السيدة نصر إلى أن تقاضي الـ«سي إن إن» أمام ذلك النوع من القضاة الذي يحكم على شركة مثل «مايكروسوفت» أو يغرم بملياري دولار شركة تبغ توزع الموت والمرض والجلطات الدموية على ملايين الناس.

لن تخسر أوكتافيا نصر أكثر مما خسرت. لكنها سوف تعلم فضائيات أميركا درسا في حرية الرأي وحرية الفكر وحرية القول. ولأنني لا أشاهد، للأسف، «الحرة»، معلمتنا في قضايا الحرية، فلست أدري ماذا كان موقفها من زميلتها باللغة الإنجليزية، الـ«سي إن إن»، عندما تصرفت مثل تلفزيون أفغانستان.