ولكنها لم تطفئ شيئا!

TT

من باريس أو من أي مكان فكل الأمكنة وكل الأزمنة متشابهة. وكلها تبعث على الملل. والملل يبعث على الزهق والزهق يجعلك تبحث عن عود كبريت لتحرق ما كتبته. وهو عمل جنوني. وقد ارتكبته في الأسبوع الماضي. فقد ألفت كتابا في ثلاث سنوات. الكتاب عنوانه «أمي.. ابنها».. ومن العنوان يظهر ماذا أقول.. وما سوف أقول.

ولما عدت لقراءة بعض الصفحات تضايقت من نفسي. كيف تعريت وكيف جعلت نفسي سببا للعطف.. ووجدت أن اعترافاتي في هذا الكتاب زائدة.. ولذلك تضايقت من نفسي وأحرقت الكتاب (400 صفحة).. وأحسست بعد أن أحرقت الكتاب أنني كنت قد تعريت والآن سحبت الغطاء على جسمي وعلى نفسي وعلى قلمي.

ولم أعرف من قبل أن النار كانت مصدرا لراحتي وكرامتي وغيرتي.. وكما أنهم يضعون الأسلحة والأدوات في النار ليقتلوا الميكروبات.. فالنار قاتلة للميكروب.. مطهرة للأسلحة.. مطهرة للنفس أيضا..

لا أعرف ماذا قال الناس الذين جاءوا في كتابي واعترفوا.. أو شهدوا على اعترافي.. وكيف أنني تجردت من كل أوراق التوت إلا قليلا.

ولقد حزنت كيف هانت نفسي وكيف هونت من قدرها.. ولماذا؟ من أجل أن يقول قارئ: إنه صريح.. إنه جدع.. إنه شجاع.. ولكني تعريت أكثر مما يجب.. وأنني بالغت في أشياء كثيرة وكلها ضدي..

ولو كان لي عدو يريد أن يسري في أعماقي ليكتب ما كتب أسوأ مما كتبت. ولذلك كانت النار مثواه.

وبكيت ولكن دموعي لم تطفئ النار.. لم تطفئ شيئا!