المفاوضات.. والتفكير خارج الصندوق

TT

استوقفني ما قاله الكاتب الكبير الأستاذ أنيس منصور في مقابلة مع التلفزيون المصري لم أستطع التيقن ما إذا كانت أذيعت أو ستذاع لاحقا. المهم المقتطف الذي جرى بثه وروى فيه ما حدث له مع الرئيس الراحل أنور السادات في فندق الملك داود في القدس خلال زيارته الأولى التي كانت بمثابة صدمة للعالم والمنطقة وقتها.

روى أنيس منصور أن السادات سأله بعد أن طلبه إلى غرفته عن رد الفعل وماذا رأى في إسرائيل بعد وصوله، وأبلغه أنيس منصور بما معناه أن الرأي العام هناك منبهر ولم ينم حتى رأى السادات. وكان تعليق الرئيس، حسب رواية أنيس منصور، أن هذا يعني أننا استعدنا سيناء، وتفسيره في ذلك هو أن الرأي العام هو الذي يحرك الحكومات في إسرائيل، وليس مثل جماهير «نفديك بالروح والدم».. وأن بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي لو كان ماطل ورفض عرض الزيارة بأي حجة، لكانت المسألة أخذت مائة عام أخرى.

مناسبة هذا الكلام هو الحلقة المفرغة التي يجري الدوران فيها حاليا بين المفاوضات غير المباشرة، والمباشرة التي يجري التهيئة أو الحديث عنها والوساطات التي تذهب وتجيء بينما يخيم نوع من اليأس والتشاؤم على جميع الأطراف، بأن حدوث تقدم وشيك أمر صعب المنال خاصة مع وجود حكومة يمينية في إسرائيل كلما هبت بوادر حركة في اتجاه تحريك المفاوضات خرجت بمشروع استيطاني أو قضية تعيد الأمور إلى ما كانت عليها.

وكما يقال، لا يوجد في الساحة سوى لاعب واحد حاليا ينتظر الجميع ما سيقدم أو يطرح وهو ميتشل مبعوث الرئيس الأميركي. وعلى الجانب العربي يبدو أن البديل المطروح في حالة مراوحة المكان هو الذهاب إلى مجلس الأمن في الخريف إذا لم يحدث أي تحرك، ولا يعرف أحد ماذا سيفعل مجلس الأمن أو ما الذي يمكن أن يقدمه وهناك تجارب سابقة أشهرها القرار 242.

المفاوضات واستراتيجياتها وتجميع الأوراق مسألة مهمة بالطبع، لأن الأمور ستحسم على طاولة التفاوض ما دام الجميع اتفقوا على ذلك منذ زمن، لكن هل فكر أحد في الجانب العربي أن تكون هناك خطة موازية لاستمالة الرأي العام الإسرائيلي إلى جانب قضية السلام بحيث يكون عنصر ضغط على حكومته، يدفعها إلى إعطاء الأولوية للوصول إلى حل أو حلول بدلا من استهلاك الوقت، على أمل ألا تكون هناك قضية يستطيع العرب طرحها بعد 20 أو 30 عاما.

قد لا يعجب هذا الكلام البعض، ولكن ما الذي سيضير لو كان هناك نوع من التفكير الجدي في وسائل أو خطط تبحث حملات أو أساليب لاستمالة الرأي العام الإسرائيلي إلى تأييد السلام العادل، وأخذه بعيدا عن أفكار اليمين والاستيطان وترسيخ القناعة بأن المستقبل هو في النهاية للتعايش حتى لو حدثت حرب جديدة.

هناك مثل إنجليزي يشجع على ما يوصف بالتفكير خارج الصندوق لحل المشكلات العويصة، والصندوق المقصود به هنا هو الأطر أو الأفكار التقليدية التي يقع الجميع أسرى لها، ويظلون يدورون في إطارها في حلقة مفرغة حتى يجدون من يستطيع أن يكسرها، وقد فكر السادات خارج الصندوق وحصل على ما يريد.