أوباما.. ليس ساحرا؟!

TT

إن من يتابع التحليلات والتنظيرات التي تكتب في بلادنا العربية خاصة، بل وفي العالم الإسلامي، عن تقويم المرحلة الأولى لحكم الرئيس أوباما، يلاحظ أننا صدمنا في أنه لم يستطع أن ينهي الكثير من القضايا المعطلة في منطقتنا، التي كنا نعقد عليه الآمال في حلها وإعطائنا حقوقنا وردع القوى الصهيونية وإيقاف المزيد من الانتهاكات للحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني الذي تشرد من أرضه.. واغتصب وطنه تحت سمع العالم وبصره.. وكانت الشرارة الأساسية لأميركا.. والقوى اليهودية التي وقفت خلف القرار الظالم، وهذه حقائق سجلها التأريخ ونعتبرها وصمة في مسيرة أميركا التي تضع الحرية في تمثالها، ولكن يشعر بعض العقلاء أننا قد أسرفنا في التفاؤل وانتظار الحلول العاجلة والقرارات الحاسمة من الرئيس أوباما وكأن القرار في يده وحده، وأنه يستطيع أن يعيد إلينا حقوقنا وينصفنا لأنه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ولأن أحاديثه كانت وما زالت مشجعة وتدعو إلى التفاؤل.. وأعطتنا الأمل في حلول تنهي مأساتنا العربية الأولى ثم تعيد السلام إلى العراق وأفغانستان.. تنهي هذا البلاء الذي انصب علينا. وفي غمرة هذه التوقعات نسينا أن أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، تحكمه قوانين ومجالس ونظم لا تسمح له بالتحرك المطلق ولا بد أن يقوم بكل أمر في إطار مصلحة أميركا.. وما تراه لحراسة مصالحها وحفظ أمنها بصرف النظر عن أي قضايا أو حتى مطالبات أخرى من دول صديقة.. وننسى أن أميركا لها علاقة أساسية بإسرائيل ولا يمكن أن يضعنا أوباما في مقام إسرائيل ولن تسمح له القوى المتحكمة في مجريات السياسة الأميركية أن يفعل ولا حتى أقل القليل لأنها قوى سياسية واقتصادية.. وإدارية وقانونية.

إن النظام الديمقراطي الأميركي نظام مؤسسي يتم اتخاذ القرارات الهامة فيه عن طريق قنوات محددة تحكمها أنظمة وقوانين ثابتة. فتأخذ القرارات دورتها بين مجلسي النواب والكونغرس بلجانه المتخصصة. تتصارع مراكز القوى المختلفة حول توجيه القرارات، ودائما يكون اللوبي الصهيوني حاضرا بنفوذه القوى الذي يستمده من قوته الاقتصادية وعمق العلاقات التاريخية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل. وفي معظم الأحيان قد لا يكون للرئيس دور كبير فيه وبالتالي لا يستطيع فرض سياسة مطلقة يبتدعها، بل غالبا يسير في طريق مرسوم يصعب عليه الخروج منه.

فإذا دققنا النظر في ما لدى أوباما من صلاحيات وما له من إمكانات أدركنا أنه لا يستطيع إنجاز شيء مما نتوقعه خلال أشهر ولا سنوات قليلة.. لأنه مقيد بكل تلك المؤثرات التي تحكم كل تحرك له.

وفي النهاية فهو ليس بساحر ولا صاحب معجزات.. وإنما يخضع إن شاء أو أبى لهذه القوانين والقوى التي تحكم تصرفاته.. ومن هنا فقد أسرفنا في التفاؤل.. وتوسعت أحلامنا حول قدرات الرجل.. لأن كلماته.. ولقاءاته أوضحت أنه يتحلى بعقل وحكمة وفي نبراته إنسانية.. تدعونا إلى التفاؤل. على الأقل إنه رجل يحترم الآخر ويحرص على الحوار ويبذل جهدا لا ينكر في تقريب وجهات النظر.. ولكنه في النهاية لا يملك القرار بمفرده، ونحن نشترك في المسؤولية لأننا لم نمهد له الطريق.. ولم نحاول معرفة النظام الذي يعمل من خلاله حتى نستطيع الدخول في الأوقات المناسبة وبالطرق المناسبة.. ولم نقدم قضايانا بصورة تصل إلى عقول الناس في أميركا.. ولم نوظف طاقاتنا وقدراتنا كما تفعل القوى الصهيونية وبكل أسف.. أهدرنا الفرص التي وفرتها لنا الثورة الإعلامية الحديثة، وثورة الاتصال فلم نحاول الوصول إلى العالم وشرح قضايانا دون انفعال ولا غضب ولم نستغل الحكمة والتخطيط لتحقيق بعض الأهداف. وبكل أسف استسلمنا للدعايات الصهيونية التي صورتنا للإنسان الأميركي على أننا وحوش وأننا نظلم الشعب اليهودي.. ونريد طرده من أرضه وقتله وتشريده.. هكذا تنقل الصورة وبطرق إعلامية ذكية إلى الإنسان الأميركي.. بل وحتى الأوروبي بكل الوسائل.. ونحن نكتفي بالانفعال والشجب.

إن الرئيس أوباما لم يستطع أن يقنع الكونغرس بقضايا.. اجتماعية.. إنسانية ذات أهمية بالنسبة للشعب الأميركي.. وحاول وما زال يحاول ولكنه يلقى معارضة شديدة لأن تلك القرارات تتعارض مع مصالح بعض القوى المؤثرة في اتخاذ القرار.

والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فمثلا نذكر المعارضة التي وجدها أوباما داخل الكونغرس قبل تمرير قراراته الخاصة بالتأمين الصحي، وكذلك الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها لتجاوز الأزمة الاقتصادية والتهم التي وجهت إليه من قبل الغرفة التجارية بأنه وراء تباطؤ النمو الاقتصادي. وأيضا المعارضة التي وجدتها قراراته الخاصة بمعالجة البطالة وبرفع سن التقاعد.. والكثير من القرارات التي كانت تصب في مصلحة الفقراء حتى وصف أوباما أخيرا الحزب الجمهوري بأنه حزب الأغنياء لوقوفه ضد مثل هذه القرارات. فطبقة رجال الأعمال ورجال الصناعة لها مصالحها التي لا تتنازل عنها ولها نفوذها داخل أروقة مجلسي النواب والكونغرس. وكذلك لأصحاب المصالح السياسية والمنحازين لبعض الجهات الخارجية أساليبهم ونفوذهم لتمرير قراراتهم وفق أهدافهم ومصالح الدول التي ينحازون إليها.

والحقيقة التي لا بد أن ندركها أن أولويات السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.. دعم إسرائيل المطلق وغير المشروط.. وهي أول من اعترف بإسرائيل.. وأكبر مسهم في تأسيسها.. وأميركا تفعل كل هذا الدعم ولو كان مناقضا للمصالح الأميركية أحيانا.. وحتى عندما تحتج بعض القوى الشعبية فلا يلتفت إليها لأن التأثير الداعم لإسرائيل أقوى وقد أحرج بعض الحكومات المعتدلة في عدة مراحل.. وجاءوا بتوجيه جديد وهو مكافحة التطرف الإسلامي جعلوا إسرائيل أداتهم في هذه المكافحة التي سخرتها للعدوان.. والطرد والظلم والتوسع.. ونحن في صمت من كل هذا ما عدا الندب والشجب والتنديد. لا بد أن ننظر بعمق إلى الترتيبات التي سبقت سفر نتنياهو إلى أميركا لمقابلة الرئيس الأميركي أوباما وإعلان أن أميركا ستقدم لإسرائيل، كما قال فيليب كراولي باسم الخارجية الأميركية، مساعدات عسكرية بمبلغ «30 مليار دولار» خلال عشر سنوات، وأكد أندرو شابيرو مساعد وزير الخارجية استمرار السياسة الخارجية الأميركية في دعم العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وقالها علنا: «علينا جميعا الاعتراف بقيمة وأهمية العلاقات الآنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتسخيرها لدعم إسرائيل حتى تكون في وضع أفضل لمواجهة عملية السلام مع جيرانها». وقال: «إن من مصلحتنا بشكل كبير وأساسي العمل ودعم إسرائيل، ليس فقط لضمان أمنها ولكن لضمان استمرارية المشاريع الأميركية المشتركة واسعة النطاق في مجالات المعلومات والتكنولوجيا، وهذا يشكل فائدة أساسية للولايات المتحدة». وعلينا أن نتذكر كيف تكلم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في زيارته لأميركا حسب ما ذكرت «الواشنطن بوست» في وصفها لشريط فيديو أذاعته القناة «العاشرة» للتلفزيون الإسرائيلي أظهر نتنياهو يتحدث بطريقة واثقة حول العلاقات الإسرائيلية - الأميركية وعملية السلام في عام 2010م: «أنا أعرف.. أميركا والأميركيون لا يمكنهم الوقوف ضدنا.. وأميركا هي الشيء الذي يمكن أن يتحرك بسهولة جدا ويمكن نقله في الاتجاه الذي نريده ويخدم مصالح إسرائيل». وكان نتنياهو يتكلم باللغة العبرية ولم يعلم أن حديثه كان مسجلا.

هكذا تكلم ويتكلم الساسة الإسرائيليون بكل ثقة وفخر لأن مراكز القوى المؤيدة لهم داخل أميركا تدعمهم في كل الأحوال.. والحكومة الأميركية ترى ذلك وتحسه.. ونحن لا نعي أبعاد هذه التحركات.. في كل اتجاه.

فهل آن الأوان أن نعرف أن أوباما لا يستطيع تغيير كل شيء في أي وقت.. ولا إنصافنا إن لم نتحرك بعلم وواقعية وخطط مدروسة ونعرف كيف نخاطب الشعب الأميركي لشرح عدالة قضايانا والتلويح بمصالحهم معنا.

وختاما فإني أشعر بأننا قد أسرفنا في التفاؤل حتى مرحلة السذاجة والغفلة عندما اعتقدنا أن دخول أوباما إلى البيت الأبيض سوف يحل كل قضايانا ويرد إلينا حقوقنا المغتصبة، وكأن الرجل ساحر يحمل عصا سحرية.. أو زعيم يصدر قراراته والجميع يخضع لها دون سؤال أو جواب.. ونسينا أن لنا كما قلت أدوارا لم نلعبها ولم نفكر بعد كيف الدخول إلى الملعب، وكيف تتحقق الأهداف.. وحتى سجلنا بعض الأهداف بالخطأ في مرمانا ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.