ضرورة لمسة أوباما في الشرق الأوسط

TT

ترتبط مبادرات الرئيس أوباما في منطقة الشرق الأوسط بمبادئ واضحة عادلة وكلام مثير للهمم وتفهم عاطفي بدرجة كبيرة للطبيعة الإنسانية. ولكن، لسوء الحظ، لا ترتبط بصورة متساوية بتفهم معتدل لأناس ذوي طباع سيئة ويتسمون بالجشع يعيشون داخل هذه المنطقة.ولا يمكن لوصفة واحدة أو مجموعة من المبادئ أن تنسجم في الوقت نفسه مع احتياجات ورغبات وأوهام العرب واليهود والفرس والأكراد والترك والبربر وغيرهم الموجودين، لأسباب سياسية أو صحافية، في تصنيف إقليمي واحد. ولا يضع جهد الرئيس، الهادف لجعل تواصله مع «العالم الإسلامي» في بؤرة السياسة الخارجية الأميركية، في الاعتبار التنوع المثير والقاتل داخل ذلك العالم.

وتعد هذه خسارة سياسية وشخصية لأوباما، وهو رئيس شاب موهوب له إنجازات أخرى تثير في النفس شعورا بالإعجاب. كما أن عجزه عن التواصل على مستوى إنساني يحرمه من سياسات فعالة ومن متعة يمكن الحصول عليها من خلال التعامل مع بلاد نعتبرها سويا منطقة الشرق الأوسط. ويثير هذا التقلب والتطرف في العلاقات الشخصية اندفاعا عفويا، يغيب عن العلاقات داخل أجزاء أخرى من العالم - فمن يغدقون بكرم ودفء في لحظة ما، يمكن أن تتكون عندهم أحقاد تستمر طويلا في اللحظة التالية.

ويمكن النظر إلى التحولات التي شهدتها جهود أوباما ذات الصلة بقضية السلام الإسرائيلي الفلسطيني. وربما كان من الممكن تجنب ذلك، أو على الأقل، التلطيف منه لو شكل أوباما مبادئه بعد التعرف على اللاعبين الرئيسيين، على نحو أفضل، بدلا من الإصرار على تبنيهم مبادئه أولا. ويوشك أوباما أن يتجاوز الذكرى الثانية لانتخابه من دون أن تطأ قدمه إسرائيل أو الضفة الغربية. ويمكن النظر إلى إيران، حيث لا يعكس كلام أوباما، ولا تنبئ أفعاله، بطولة المقاومة أو تطرف الحكام وسماتهم الاستبدادية. ويسيء إلى إنسانية الثورة الهائجة داخل إيران ذكر العقوبات، كسبب لعدم الاستقرار هناك، مثلما فعلت الإدارة الأسبوع الماضي. نعم تلعب العقوبات دورا في الأمر، ولكن ليس لها الدور المسيطر في الانتفاضة الشعبية.

أو يمكن قراءة خطابه، الجامد من الناحية العاطفية، خلال الأسبوع الماضي، الذي تناول نهاية دور أميركا القتالي داخل العراق في الشهر الحالي. ويغيب عن الخطاب أي عاطفة إزاء النجاحات الإنسانية التي حققها عراقيون وأميركيون وآخرون، أو الأشياء المربعة التي عانوا منها منذ بدء الغزو عام 2003. كما يعوزه القلق بشأن مستقبل العراق من دون دور أميركي كبير. ويتجلى غياب البعد الشخصي في الدبلوماسية الأميركية في الإهمال الاستراتيجي للأكراد، الذين يعيشون في شمال العراق، وهم مواطنون يمكن للأميركيين أن يفتخروا بأنهم حرروهم من صدام حسين. ويتغافل الاستعراض الصحافي والحكومي الكئيب، بدرجة كبيرة، التقدم الاقتصادي والاستقرار السياسي النسبي، الذي يعيشه ما بين 5 ملايين إلى 6 ملايين مواطن داخل كردستان، منذ الإطاحة بصدام حسين.

ولا يعني عدم وجود أخبار أن ذلك خبر جيد، فالأكراد عبارة عن أقلية غير عربية، ويمثلون نحو 17 في المائة من سكان العراق. وبدلا من إثارة غضب حكومات عربية شيفونية (ومن بينها الحكومة الهشة داخل بغداد)، تجاهلت واشنطن عروضا كردية لبناء علاقات أمنية مباشرة مع الحكومة الإقليمية الكردية تحت رئاسة مسعود بارزاني، في أعقاب الانسحاب خلال الصيف الحالي. وفي انعكاس لتفضيل أميركي متوارث للحكم الفيدرالي المركزي، لم يظهر فريق أوباما تعاطفا كبيرا مع رغبة بارزاني في توطيد نفوذ محلي على النفط وغيرها من الموارد الطبيعية. وقال فؤاد حسين، رئيس طاقم بارزاني، خلال زيارته واشنطن مؤخرا: «لقد حان الوقت لكي تخبرنا الولايات المتحدة، ما الذي تعنيه بعلاقات على المدى الطويل مع الأكراد؟ لقد أوضحنا أفكارنا. وحان الوقت لكي تتخذ الولايات المتحدة قرارا». وتوجد أيضا أسباب استراتيجية تدفع الولايات المتحدة لإظهار اهتمام أكبر، وتفهم أوسع للجهود الكردية المرتبطة بتحديد مستقبلهم. وكما قال حسين لحشد داخل المجلس الأطلسي، فقد تمكنت النخب السياسية والتجارية التركية من بناء علاقات قوية مع حكومة بارزاني الإقليمية بعد أعوام من النزاع. كما توصل أكراد العراق إلى صياغة للتعايش مع جيرانهم الإيرانيين في الشرق، ويمكن أن يفيد ذلك إذا حدث تقدم في سعي أوباما للحوار مع طهران.

إن ظهور كردستان عراقية مستقرة بين تركيا وإيران يؤسس حزاما جغرافيا من قيادات إسلامية غير عربية تزداد مصالحها المشتركة بصورة مستمرة. ولا يبدو أن الولايات المتحدة قادرة على التأثير في الحكومة الإيرانية، كما يتراجع تأثيرها داخل تركيا.

وعليه، فيا سيادة الرئيس، لقد حان وقت للتعرف على الأكراد وتفهم طموحاتهم. ومن ثم لا تعد إسرائيل والضفة الغربية، المناطق الوحيدة داخل الشرق الأوسط التي تستحق الزيارة خلال العام المقبل.

* خدمة «واشنطن بوست»