مفترق طريق الحرب والسلام في الشرق الأوسط

TT

نادرا ما ترسم الخطوط واضحة في الشرق الأوسط، فتجد على أحد الجانبين معسكر السلام الذي يعارض التطرف المسلح، ويدعم المحادثات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلى الجانب الآخر تجد المنظمات - والكثير منها وكلاء لإيران - تعمل على تقويض الحكومات المعتدلة، وتستخدم العنف لإعاقة جهود السلام. ولقد أوضحت الأحداث الأخيرة بجلاء، أبعاد هذا التقسيم، ففي اليوم نفسه الذي فوضت الجامعة العربية رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالانتقال من المحادثات غير المباشرة إلى المحادثات المباشرة مع إسرائيل، أطلق إرهابيو حماس في غزة صاروخ «غراد» على مدينة عسقلان، جنوب إسرائيل. وفي الأسبوع الماضي، وبعدما انضمت إدارة الرئيس الأميركي أوباما إلى زعيمي مصر والأردن، في دعوتهما محمود عباس، للبدء في المحادثات المباشرة مع إسرائيل، خاصة بعد قرار الجامعة العربية، قام إرهابيون بإطلاق عدة صواريخ على إسرائيل والأردن، انطلاقا من شبه جزيرة سيناء.

ومؤخرا، قام قناصة لبنانيون بإطلاق النار، وقتل قائد في الجيش الإسرائيلي، وهو أب لأربعة أبناء هذا الأسبوع، وذلك خلال إشرافه على مهمة روتينية لتقليم الأشجار على الجانب الإسرائيلي من الحدود، وذلك في هجوم وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، بي جي كرولي، بأنه عمل «غير مبرر وغير مقبول إطلاقا». وقد أصيب ضابط إسرائيلي آخر بإصابات بالغة في هذا الهجوم. وعلى الرغم من أن أعمال تقليم الأشجار التي كان يقوم بها الجيش الإسرائيلي كانت تتم بالتنسيق مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في جنوب لبنان، وأن أطلاق النار تم بواسطة جنود في الجيش اللبناني المستقل اسميا، فإن زعيم حزب الله، حسن نصر الله، قام بإرسال طاقم تصوير إلى المنطقة لتصوير ذلك الكمين، وقد أشاد نصر الله بقتل القائد الإسرائيلي واعتباره «مواجهة بطولية» وهدد «بقطع يد» أعداء لبنان، وذلك حسب زعمه بإطلاق ترسانته من الصواريخ التي تمده بها إيران وسورية، والبالغ عددها أكثر 42000 صاروخ على المدن والبلدات الإسرائيلية.

وقد ردت إسرائيل على هذه الهجمات بقذف أهداف معادية في غزة ولبنان. ومع ذلك، فقد أكدت الحكومة الإسرائيلية في الوقت نفسه التزامها بالانتقال السريع إلى مناقشة كل القضايا الجوهرية، (الحدود والأمن واللاجئين والقدس). وفي محاولة لخلق مناخ ملائم للبدء في المحادثات المباشرة بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاجتماع بالرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله، وكلا الزعيمين العربيين قد عبرا عن دعمهما للمفاوضات المباشرة.

وفي محاولة أخرى لتهيئة الظروف المساعدة على استئناف عملية السلام، وافقت الحكومة الإسرائيلية هذا الأسبوع على المشاركة في اللجنة التي أقرت الأمم المتحدة تشكيلها للتحقيق في حادث الهجوم على أسطول الحرية.

فقد اشتبكت القوات الإسرائيلية يوم 31 مايو (أيار) مع أعضاء جماعة تركية متطرفة كانت تحاول كسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس. وستقوم اللجنة التي يرأسها رئيس وزراء نيوزيلندا السابق والرئيس الكولومبي المنتهية ولايته، وتضم ممثلين عن إسرائيل وتركيا بمراجعة التحقيقات التي قامت بها كل من إسرائيل وتركيا، وتقديم عدد من التوصيات حول كيفية تجنب حدوث مثل هذه المواجهات في المستقبل.

كل هذه الأحداث تأتي على خلفية تشديد العقوبات المفروضة على إيران. وقد بدأت علامات تأثير هذه العقوبات، خاصة تلك التي تركز على منع إيران من تصدير واستيراد المنتجات البترولية، تظهر. ويرى الكثير من المراقبين أن النظام الإيراني إذا ما وجه بعقوبات صارمة، فإنه سوف يقبل المفاوضات، أو وفقا لسيناريو آخر، قد يعمل على إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو ما قام به عامي 2006 و2008 عندما أمر حزب الله وحماس بالبدء بأعمال عدائية ضد إسرائيل.

هذه هي اللحظة التي قد يتحدد فيها اتجاه الشرق الأوسط، إما تتجه المنطقة إلى مزيد من التصعيد في التوتر، وربما تقود إلى مزيد من العنف، وإما تتجه إلى مفاوضات مباشرة وجهود حثيثة من أجل تخفيف العداء، وسيعتمد هذا بدرجة كبيرة على رغبة السلطة الفلسطينية في الدخول في محادثات مباشرة وصمود ودعم الحكومات الموالية للغرب في المنطقة، وقبل كل ذلك التصدي لإيران ووكلائها في المنطقة.

تقليديا، يعتبر الصيف وقت الحرب في الشرق الأوسط، لكن هذا الصيف قد يأتي بالعكس، فقد يصبح النقطة المفصلية في اتجاه تحقيق السلام. وتقف إسرائيل عند تقاطع الطرق، هذه مستعدة للدفاع عن نفسها ولكن في الوقت نفسه، مستعدة لبذل التضحيات ومجابهة المخاطر من أجل وضع نهاية تامة لهذا الصراع. وقد رسم الطريق بالفعل على رمال الشرق الأوسط، وسوف تنبئنا الأسابيع المقبلة إلى أي طريقين سنتحول.

* سفير إسرائيل في واشنطن

* خدمة «واشنطن بوست»