تهافت التباهي

TT

احتفلت الولايات المتحدة بعرس تشيلسي ابنة بيل كلينتون والشاب الوسيم والثري مارك، بعد أشهر قليلة من إطلاق سراح والده الملياردير مزفنسكي الذي قضى أربع سنوات في السجن بتهمة التزوير. ضجت كالعادة وسائل الإعلام الأميركية وغير الأميركية بأنباء وتصاوير حفلة العرس التي تكلفت ثلاثة ملايين دولار، وحضرتها كوكبة من مشاهير الشخصيات ونجوم الجمال والمال والأعمال.

هذا شيء طالما لفت نظري في أعراس أولي المال والجاه. نحن نعرف يا بنت الحلال أن والدك كان رئيس الولايات المتحدة ويحكم العالم، وأمك مسؤولة الآن عن وزارة الخارجية وأيضا تحكم العالم. وكلاهما يكسب مئات الألوف من أي محاضرة يلقيها أو ورقة يكتبها. وقضيت صباك من دون كل الصبايا في أروقة البيت الأبيض حيث نشأت وتربيت وتعلمت. ورغم كل ما درست وتعلمت في هارفارد وأكسفورد وستانفورد، فلم تستطيعي تفادي هوس التباهي والاستعراض بالثروة والجاه.

وهذا هو الشيء المقزز حقا في أهل المال والمناصب، لا سيما من كان حديث النعمة منهم. أنا أفهم أن تحاول البنت الفقيرة والبنت المتوسطة الحال استعارة حلي جيرانها وعماتها لتلبسها في يوم عرسها وتتظاهر بأنها ليست قليلة الحال. وأفهم أن تنفق الأسرة كل ما وفرته من نقد لتقيم لها حفلة باذخة تتباهى بها. وأفهم أن يسعى المسؤولون الحرامية ممن سرقوا أموال الرعية والوطن إلى أن يبذلوا مثل ذلك ويتظاهروا بأن الثروة ليست جديدة عليهم. لكن يصعب علي أن أرى مثل ذلك من الابتذال في التباهي والغطرسة ممن ولدوا وعاشوا في عز وسؤدد وغنى.

لأمر ما، شاعت غريزة تفاهة التباهي بين الشرقيين. وقدر لها أن تصبح سببا من أسباب عداء السامية في أوروبا. فقد حافظ اليهود على التقاليد الشرقية في حمل معدات العرس وبيت العرس من مصوغات وفضيات ونحاسيات وأوان وحرائر في موكب استعراضي أمام موكب العريس والعروس ليفرجوا العالمين على وجاهتهما. كثيرا ما استفزوا بها الأغيار الأوروبيين فهجموا عليهم ودمروها أو نهبوها. وأصبحت من عوامل كره الأغيار لليهود. ومع ذلك فإنهم لم ينفكوا عنها. كثيرا ما ألاحظ في وجهائنا أن غريزة التباهي عندهم مثل الغريزة الجنسية، يصعب عليهم التغلب عليها. تسألهم عن الوقت فينظرون إلى ساعتهم ويجيبونك «الساعة الثانية والنصف حسب ساعتي (الرولكس)».. ثم يضيفون من باب الزيادة في العلم «اشتريتها بتسعين دولارا». تنطلق إحدى الجالسات فتقول «لا عيني لا!.. أنا زوجي اشترى مثلها تماما بستين دولارا».. ويدخل الاثنان في نقاش حاد ينتهي بقطيعة تستمر خمس سنوات.

أما كان أجمل وأروع لو أنك يا بنت الحلال دعوت لحفلة عرسك ألف طفل جائع يتمتهم حروبكم الإمبريالية في أفريقيا وآسيا لتمتعيهم بعشاء واحد جيد يشاركونك فيه أفراحك بدلا من كل هذه الكروش المكتنزة من البانكرية والتجار ورجال الأعمال؟!

هذا ما ينقص العالم. معيار جديد للتباهي. أن نتباهى بفعل الخير بدلا من أن نتباهى بالفخفخة والبذخ.