وتمطر الرواشن في رمضان نقودا وحلوى!

TT

يظل رمضان الأكثر ثراء بالذكريات من بقية شهور العام، فما زلت أتذكر - رغم مرور عشرات الأعوام - كيف كنّا نستقبل - أطفالا - طلقات مدفع رمضان صوتا بصوت، ونحن نغني:

«هل هلالك يا رمضان

يا أبو الشوربة والقدحان»

وكيف تتحول الأسواق في عصاريه إلى أناشيد يطلقها الباعة من حوانيتهم، وهم يرددون:

«الله وليّك يا صايم

في الجنة جوّه يا صايم»

وكيف تمسي المدن في الليل مهرجانات فرح، ومسارح سمر، وما زلت أذكر المسحراتي «العم محرم» الذي كان يجوب بطبله دروب جدة العتيقة منشدا:

«اصح يا نايم.. وحّد الدايم»

فتهطل عليه الرواشن قروشا وحلوى.

وذلك المدفع العتيق في طرف المدينة، الذي يتحول إذا ما انطفأ النهار إلى سيد الوقت، فعلى صوت طلقته يتحلق الناس حول الموائد، وتتجمع الأسرة، ويطفو الفرح، ويفوح عبق العود من المباخر. لرمضان في ذاكرة الطفولة لون وطعم ورائحة، يوم كان الأهل يشجعوننا صغارا على صوم رمضان، ويتباهون بصومنا على مسامع الآخرين، حينما كانت تنطلق أهازيج الأطفال في الدروب:

«يا فاطر رمضان

يا خاسر دينك

والكلب الأجرب

يجر مصارينك»

للنهار في رمضان وقاره، وسموه، وإشراقته، ولليل عذوبته، وجمالياته، وسحره، وإذا ما اقترب العيد، و«ليالي العيد تبان من عصاريها»، تضج الشوارع بالناس، وتتعالى في المدى أصوات باعة الحلوى:

«يا حلاوة العيد يا حلاوة

من مال جديد يا حلاوة»

في رمضان يتقاسم الناس الفرح في المدينة، فينبت لليتيم أب، وللأرملة عائل، وللفقير معين، وللغريب أهل، فتورق الابتسامات على الثغور، ويرتسم الرضا على الوجوه، وتهفهف شجرة النيم الوحيدة في المدينة، وينطلق من تحت أغصانها صوت الصبايا:

«يا شجرة ميلي

كيف أميل؟

ميلي على جنبك اليمين»

فتميل الشجرة، وتتراقص أغصانها في دلال.

هكذا كان رمضان في طفولتنا، وكبرنا، وكبر رمضان، وكل عام وأنتم من عواده.

[email protected]