إضافات على مقال

TT

بعد إجازة طويلة.. أجمل ما فيها التحرر من واجب قراءة كم هائل من الصحف يوميا.. عدت إلى الوطن، وكان أول مقال قرأته ويا لحسن الحظ، هو مقال السيد عبد الرحمن الراشد، الذي نشر في الثاني من أغسطس (آب) الحالي على صفحة الرأي في جريدة «الشرق الأوسط» تحت عنوان «العرب لا يدفعون ويملون شروطهم!».

لم أجد الكثير لأختلف معه فيه، ولقد أعجبت بمنطقه في أمر حتمية ابتعاد أي سياسي أو قائد وحتى أي إنسان عادي عن التردد، وذلك وفق نظرية قيادية أراها معقولة وهي «الإقدام في الخطأ خير من التردد في الصواب»، فالإقدام في الخطأ يمكن العدول عنه بإقدام مماثل، أما التردد في الصواب فنتيجته.. النهاية الحتمية..

غير أنني هنا لست في معرض ذكر ما اتفق وما اختلف، وإنما لا مناص من بعض الإضافات، لعلها تضع النقاط على الحروف في فهم ما يجري، وهو في سياق الانهيار المتسارع لمشروع السلام وفق أوسلو، والاستنتاجات التي انبثقت عنه ومعظمها كان إيجابيا وواعدا.

الإضافة الأولى: لم يقع عباس لا تحت ضغط عربي ولا حتى غربي، فالعرب المتشددون منهم والمعتدلون، لم يطالبوا بأن يكون القرار الفلسطيني في أيديهم، فالمعتدلون يشجعون ويدعمون الاتجاه، والمتشددون يسجلون مواقفهم المنتقدة ويؤدون أدوارهم وفق أجنداتهم وبطرقهم الخاصة، وحتى لو غير عباس جلده فهو لن يكون مشروع دعم من قبل إيران على حساب حماس، كما أنه لن يكون محظيا في دمشق مع حظوته في القاهرة وغيرها..

لقد ذهب عباس طائعا مختارا إلى العرب في أمر واحد، هو الحصول على غطاء للذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة، بعد صعوده إلى أعلى الشجرة، وقد حصل على هذا الغطاء على هيئة تفويض، مع أنه لم يكن بحاجة لذلك.. ومن حيث أراد غطاء وجد نفسه يضع في يديه قيودا.

الإضافة الثانية: لم يقم السيد باراك أوباما بأي عمل تضليلي لا لعباس ولا لغيره، لقد تحدث بحماسة شديدة، عن ضرورة وقف الاستيطان، وكان جورج بوش الابن قد تحدث في عهده «الذي لا نذكره بالخير غالبا» عن الاستيطان بلغة أكثر قسوة من لغة أوباما، بل إنه أول من وصف الجدار بالأفعى والمستوطنات بالأورام السرطانية القاتلة، وإن لم يزال الجدار وتزال المستوطنات فلا أمل في السلام أو حل الدولتين، هكذا كان منطق بوش الابن، ومعه وزيرة خارجيته السيدة رايس، إلا أن القوالب الفولاذية التي تصنع فيها السياسية الأميركية، كانت عصية على مرور هذا المنطق، فتراجع بوش الابن تماما بالعوامل ذاتها التي أجبرت الرئيس أوباما على التراجع، إلا أن أيا من الأميركيين، جمهوريين أو ديمقراطيين أو حتى عربا متأمركين، لم يعرض التوقف عن الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات.. بل كانت حتمية جلوس الطرفين إلى مائدة المفاوضات هي مبتدأ وخبر الموقف الأميركي في كل العهود.

لقد قرأت تصريحات أوباما بطريقة فلسطينية عروبية، قرأناها كما نحب أن تكون، وليس كما هي بالضبط، كانت قراءتنا لتصريحات أوباما سطحية وفيها قدر كبير من تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، بحيث ضللنا أنفسنا بها، ونقلنا تضليل الذات إلى الآخرين، وكان ما كان.

الإضافة الثالثة: وهنا أعارض خلاصة مقال الراشد حين أسدى فيها نصيحة أراها في غاية القسوة والإحراج للرئيس عباس «إما أن تفاوض أو تحارب».. هذه نصيحة يمكن أن توجه إلى أي إنسان إلا عباس، ذلك أن الرجل لا يعتبر القتال خيارا، لا بالمنطق ولا بالاضطرار، فلقد كان صريحا حين رفض القتال في زمن القتال، ووصف الانتفاضة المسلحة بأنها كارثة، وكنت معه في ذلك، مثلما وصف صواريخ سديروت بالعبثية، بعد كل هذا التراث فإن عباس يحتاج إلى سنوات من قيادة قتال كفؤ ومتفوق حتى يوفر مصداقية لخيار من هذا النوع، والرجل لم يخدع أحدا في هذا الأمر، بل أعلن مغادرته خيار القتال جذريا ونهائيا، إذن فإن وضعه يقول.. لا مناص من التفاوض!!. حتى بعد أن قيد الرجل نفسه بشروط شديدة القسوة، كانت قد وضعت للضغط على نتنياهو، وأضحت بفعل عوامل كثيرة عناصر الضغط الأقوى على عباس.. إن المخرج المنطقي أمام الرجل وفق فهم سليم لشخصيته وقدراته هو إما التفاوض وإما اللاشيء، واللاشيء هذا أهم من كل شيء عند عباقرة التبرير وصانعي أغلفة الفشل التي تسوق كنجاح. بكل المقاييس كان مقال الراشد فيه جديد موضوعي ومقنع.. مقالا بدأ بالخلاصة. لا أحد يقول الحقيقة، إلا أنه لامس كلمة السر.. وهي آفة كل السياسيين: التردد. وأضيف عليه.. أن مأثرة القادة الفعالين هي في القدرة على الدأب والتصميم والإقدام نحو الخيارات الصعبة بحسابات مستنيرة ومن دون وجل.

أخيرا..

لم يسدل الستار بعد على الفصل الأخير.. وما زال بالإمكان تدارك مثالب الماضي.. ودعونا نراقب ونرى.