وجوه في القمة

TT

في «الوزير المرافق» يحول غازي القصيبي القادة الذين عرفهم إلى لوحات. نرى أنديرا غاندي «السيدة الفولاذية» التي حكمت الهند، امرأة نحيلة وجهها مائل إلى الصفرة. ونراها غاضبة لأن ابنها الأصغر تزوج امرأة لا تريدها. كما نراها «حماة» عادية تكشف مراراتها العائلية لرجل تقابله للمرة الأولى. ثم نرى «الوزير المرافق» مع الحبيب بورقيبة في فندق بسيط، ولا شيء من القصور والدور التي طالما تحدثت عنها الصحافة الكارهة. ونرى بورقيبة عجوزا ينفجر بالبكاء لأنه سوف يذهب قبل أن يرفع الفقر عن التونسيين. ونراه معتزا لأنه منح شعبه التعليم والمساواة في الفرص. تختلف الصورة في ليبيا. هنا ليس من يهتف للزعيم الذي كان يومها في الأربعين. وفيما يصر بورقيبة، باكيا: «يا ابني، أنا إنسان بسيط، إنسان عادي»، نرى العقيد معمر القذافي في ليبيا، وقد استعد لإلحاق الهزيمة بالشيوعية والرأسمالية و«تنوير الإسلام» وتغيير التاريخ الهجري. وأما العلاقة الليبية - السعودية فمد وجزر وما بينهما. هاجم القذافي الملك فيصل بألفاظ شتى، ثم جاء بنفسه يعتذر من «الأب» ويطلب منه أن يغفر «للابن العاق». ولما قتل الملك فيصل راحت إذاعات العالم العربي تبث آيات من الذكر الحكيم، إلا إذاعة ليبيا، فيما استنكر الأخ العقيد كل تلك الضجة «لوفاة تاجر بترول». لبى الملك خالد دعوة رسمية لزيارة ليبيا، عام 1980، على رأس وفد عال. وقامت أسراب من طائرات العقيد ترافق الطائرة الملكية قبيل وصولها. وعلى أرض المطار في بنغازي حشد العقيد بقية أسطوله الجوي. كان هناك ما لا يقل عن ثلاثمائة طائرة عسكرية صفت الواحدة قرب الأخرى. نزل الملك في قصر الضيافة. ونزلنا نحن في الفندق الرئيسي في بنغازي، وهو طلل تاريخي عاصر أكثر من حرب عالمية. كان التليفون لا يعمل، ولا توجد خدمة في الغرف. وفي المساء اكتشفنا أن المكيف معطل فسحب كل منا سريره ونام في البلكونة الصغيرة، المطلة على الميناء. ونرى «الوزير المرافق» حاضرا في قمتي فاس، اللتين بحثتا «مشروع الملك فهد». وإذا بالعقيد القذافي ينادي صاحب القمة ومضيف المؤتمر «يا أخ حسن». وألقى ياسر عرفات كلمة عنيفة فقاطعه الحسن الثاني: «يا أبو عمار.. أرجو ألا تعطينا دروسا في القانون الدستوري. أنا لا أحتاج إلى دروس منك في القانون». ثم «تحدث عبد الحليم خدام بانفعاله المعتاد، ودعا الأمة العربية إلى القيام بالتزاماتها. والأمة العربية هنا تعني بطبيعة الحال الدول البترولية».

نرى جعفر النميري يخطب طوال ساعة مطالبا بإعادة العلاقات مع مصر، ثم يعتذر عن «اضطراره إلى الإيجاز». نرى العرض العسكري في ليبيا يستمر عشر ساعات. ثم نسمع الحسن الثاني يدعو إلى الهدوء: «يؤخذ بالعسل ما لا يؤخذ بالخل».. كتاب يحمل توقيع غازي القصيبي.