راؤول كاسترو.. هل هو غورباتشوف كوبا؟

TT

بدأ دور الكاردينال خايمي أورتيغا كوسيط في حقوق الإنسان في كوبا مع حركة «سيدات الرداء الأبيض». في شهر أبريل (نيسان)، غضب رئيس أساقفة هافانا عندما حاصر بلطجية نظام كاسترو الحاكم يومي أحد متتاليين المسيرة الأسبوعية للنساء اللائي يعربن عن الاحتجاج نيابة عن أقاربهن السجناء السياسيين. أرسل أورتيغا خطابا إلى الرئيس راؤول كاسترو يقول إنه «إذا تسامحت الكنيسة مع هذا في صمت، فسيكون ذلك جبنا منها».

أرسل أورتيغا وغيره من قادة الكنيسة الكثير من هذه الخطابات إلى راؤول كاسترو وشقيقه فيدل على مر السنين. ويقول الكاردينال إن الشيء المختلف في هذا الخطاب هو أنه حصل على رد. ففي غضون أسبوع، أبلغه راؤول أن حركة «سيدات الرداء الأبيض» سيتم السماح لها بمواصلة مسيراتها من دون أي مضايقة. وفي غضون شهر، كان أورتيغا في أول لقاء له مع راؤول كاسترو، الذي بدأ يخبره بأنه يعتزم إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين في كوبا.

ومنذ ذلك الحين، التقى الكاردينال، الذي يبلغ من العمر 73 عاما، ثلاث مرات، مع الرئيس، الذي يبلغ من العمر 79 عاما، ليتحدث إليه حول إطلاق سراح السجناء وإمكانية إحداث التغيير في كوبا. على الرغم من ذلك لا يشمل هذا التغيير «الإصلاح» وبكل تأكيد «الديمقراطية»، حيث إن راؤول كاسترو لا يحب هذه الكلمات. ومع ذلك اقتنع أورتيغا بأن «ذلك شيء جديد»، كما قال لي في مقابلة أجريتها معه. يؤكد أورتيغا أن الإفراج عن السجناء «احتمالات مفتوحة».

ما هو الشيء الممكن؟ أصبح ذلك سؤالا مهما في الوقت الذي يتقدم فيه التغيير لدى راؤول كاسترو، الذي لا يشمل الإصلاح، إلى الأمام ويدرس الكونغرس تشريعا من شأنه أن يمزق ما تبقى من «الحظر» التجاري الأميركي برفع جميع القيود المفروضة على السفر إلى كوبا وتحرير الصادرات الغذائية. وتم حتى الآن إطلاق سراح أكثر من عشرين من المنشقين المسجونين وإرسالهم إلى المنفى في إسبانيا والولايات المتحدة وتشيلي؛ وأعلن النظام الحاكم التزامه بالإفراج عن 28 آخرين من بين أكثر من 100 لا يزالون في السجن. وفي الأول من أغسطس (آب)، أعلن راؤول كاسترو أن الحكومة ستسمح بمزيد من الشركات الخاصة ونشاط التوظيف الذاتي، كوسيلة لتشغيل مليون عامل، يمثلون 20% من القوى العاملة بالدولة، الذين تعتزم الحكومة تسريحهم.

وتقول إحدى وجهات النظر إن ذلك يعد إعادة لاستراتيجية كاسترو لإخراج النظام الحاكم من مأزق، حيث إن الاقتصاد الكوبي أكثر سوءا من المعتاد؛ انخفض الإنتاج الغذائي بواقع 7.5% خلال النصف الأول من العام الحالي، وكان موسم حصاد السكر الماضي هو الأسوأ خلال قرن من الزمان. وفي المرة الأخيرة التي واجهت فيها الجزيرة مثل هذه الأزمة الاقتصادية الحادة، في بداية تسعينات القرن الماضي، خفف فيدل كاسترو القيود على المؤسسات الخاصة. وبمجرد انتعاش الاقتصاد، أغلق الكثير من الشركات التي سمح بتأسيسها. ولا يعد إطلاق سراح السجناء أمرا جديدا هو الآخر، حيث قام فيدل بنفس الخطوة في 1969 و1979 و1998.

ومع ذلك، يقول البعض من داخل وخارج كوبا إن راؤول كاسترو سيفعل شيئا مختلفا، حيث إنه يتفهم أن هذا النظام الستاليني لا يستطيع الاستمرار في شكله الحالي، ويريد تحديث هذا النظام ويحقق له الاستقرار قبل أن يموت هو وشقيقه. ويواجه راؤول مقاومة شديدة من فيدل كاسترو، الذي بدأ، بعد غياب دام أربع سنوات، يظهر علانية بعد أيام من إطلاق سراح السجناء. بيد أن راؤول عازم على الرغم من ذلك على المضي قدما بصورة منهجية في برنامج للتغيير يمتد لسنوات وليس لشهور.

ويبدو أن الكاردينال أورتيغا يؤيد وجهة النظر الأكثر تفاؤلا. لقد كان في زيارة إلى واشنطن الأسبوع الماضي لتسلم جائزة من جمعية «فرسان كولومبوس»؛ بيد أن هذه الزيارة كانت الثانية في شهرين، والتقى مسؤولين في إدارة أوباما والكونغرس. ويشير إلى أن جزءا كبيرا من أجندة كاسترو يتمثل في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة بحيث يستطيع الاقتصاد الكوبي تحقيق الانتعاش عن طريق التجارة والاستثمار الأميركي. وقال أورتيغا: «لديه رغبة في الحصول على فرصة مع الحكومة الأميركية. وكرر لي في مناسبات كثيرة أنه مستعد للتحدث إلى الحكومة الأميركية مباشرة بشأن جميع القضايا».

هل يشمل ذلك الإصلاحات الديمقراطية التي طالبت بها إدارة أوباما كشرط لتحسين العلاقات؟ قال أورتيغا: «ينبغي أن يحدث كل شيء خطوة بخطوة. ليس من الواقعي البدء عند النهاية. إنها عملية. والأمر الأكثر أهمية هو اتخاذ خطوات في هذه العملية».

لا أشك في صدق الكاردينال. لكنني أيضا أجد أنه من الصعوبة الاعتقاد أن راؤول كاسترو هو ميخائيل غورباتشوف كوبا. وعلى أي حال، إنه يشبه يوري أندروبوف، أحد أسلاف غورباتشوف المسنين، الذي كان يعلم أن النظام السوفياتي ليس نظاما مستداما، لكن لم يكن لديه الإرادة أو النفوذ السياسي لتغييره. قد يكون أورتيغا على صواب في أن حواره مع راؤول كاسترو شيء جديد في كوبا. لكن لم يحن بعد وقت التغيير الحقيقي، أو المشاركة الأكثر عمقا مع الولايات المتحدة.

* خدمة «واشنطن بوست»