لبنان وثالوث حزب الله

TT

في حال صحة التقارير الأخيرة فإن المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ستكشف في غضون الأسابيع القلية القادمة أسماء تسعة من أعضاء حزب الله اللبناني لمشاركتهم المزعومة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

ووفقا لمصادر وثيقة الصلة بالمحكمة الجنائية الدولية فإن قائمة الأشخاص المتوقع إدانتهم بالجريمة تضم على الأقل اثنين من الأعضاء البارزين بحزب الله.

وبمجرد أن يتم نشر القائمة فإن السؤال سيكون هو: كيف يتم اعتقال هؤلاء المتهمين وتقديمهم للمحاكمة في لاهاي؟

وبما أن لبنان ليست موقعة على المعاهدة الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية، فإنه من غير المحتمل أن تصدر الحكومة أي قرار اعتقال بناء على هذا الاتهام. وقد يقرر المتهمون أيضا الفرار إلى إيران بمجرد إعلان لائحة الاتهام الخاصة بهم. ولأن إيران ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، فستكون الفرص ضئيلة لاعتقال أي من المتهمين على أراضيها. وعلى مدى الثلاثين عاما الماضية فرّ الكثير من المسلحين اللبنانيين الموالين لإيران إلى طهران بعدما أدينوا من قبل المحاكم في عدد من البلدان الأوروبية.

وبالتالي قد يتساءل البعض: ما الحكمة من وراء إصدار أوامر اعتقال لا يمكن تنفيذها؟ والجواب هو أن مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الدولية المماثلة لها ثقل سياسي، وربما أخلاقي، لا يمكن تجاهله.

وحتى الآن يوجد نحو 30 أمر اعتقال لم يتم تنفيذها، من بينها أمر اعتقال الجنرال راتكو ملاديتش الصربي الذي أعد للمذبحة التي استهدفت المسلمين في سريبرينتشا. إلا أن الكثير من أوامر الاعتقال تم تنفيذها بعد سنوات كثيرة من إصدارها، وقد ألقي القبض على شريك ملاديتش في الجريمة، وهو رادوفان كاراديتش، بعد 12 عاما من نجاحه في الاختباء.

وعلى الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية تركز على عدد من الأفراد، فسيكون من الصعب الادعاء بأن حزب الله ككل لن يتأثر بمثل هذه الاتهامات الخطيرة. الفرع اللبناني لحزب الله، مثل كل الفروع الأخرى للحزب الرديكالي الشيعي، معروفون بالانضباط الشديد ومركزية عملية صنع القرار. كما أن لديه جهاز استخبارات محنكا خاصا به تدربه وتدعمه الاستخبارات الإيرانية.

ولن يصدق أحد أن أفرادا في التنظيم يقدمون على تنفيذ عملية معقدة لاغتيال شخصية رفيعة المستوى في قلب بيروت دون معرفة أي شخص في الحزب لما يجري.

وإذا كان شخص رفيع المستوى في الفرع اللبناني لديه علم بهذه المؤامرة، فهل من الممكن أن لا يكون لدى طهران علم؟ هل من الممكن لفرع بالحركة القيام بمثل هذه العملية عالية المخاطر من دون الحصول على موافقة على الأقل من «البلد الأم»؟

إذا حكمنا من خلال سلسلة من التصريحات التي صدرت مؤخرا من شخصيات إيرانية بارزة، يجب أن يكون الجواب بالنفي.

وهنا كلام اللواء حسن فيروز آبادي: «إن الذين ينتقدون دعمنا لحزب الله وحماس لا يفهمون حقيقة الأمر. نحن نؤيد هذه (الحركات) لأنها تمثل خط الدفاع الأول لنا. إنهم يقاتلون من أجل سلامتنا وأمننا وانتصار ثورتنا».

واللواء فيروز آبادي هو رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية وعضو المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يضع استراتيجية عمل الجماعات الراديكالية الأجنبية التي تدعمها إيران.

وهنا تصريح عوض حيدربور، عضو لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى الإسلامي في طهران: «أينما يوجد حزب الله توجد إيران. حركتنا الثورية ليست متقيدة بحدود».

وهنا أيضا تصريح حسن نصر الله، الأمين العام للفرع اللبناني لحزب الله: «أنا فخور لكوني جنديا من جنود المرشد الأعلى ومقاتلا في سبيل ولاية الفقيه (حكم رجال الدين)».

وتوجد أدبيات كثيرة عن علاقة حزب الله بإيران. وقد نشر آية الله علي أكبر محتشمي بور مذكراته التي يروي فيها كيف أسس الحزب خلال فترة عمله كسفير للخميني في دمشق. وتأسس حزب الله في البداية من مجموعة من رجال الدين كان يقودهم آية الله هادي غفاري عندما كانوا في معتقلين في سجون الشاه في إيران في عام 1975.

وفي عام 1980 أقرت الحكومة، التي كان يرأسها آنذاك مير حسين موسوي، ميزانية قدرها 60 مليون دولار للمساعدة في إنشاء فروع لحزب الله في أكبر عدد ممكن من الدول العربية. وكانت الفكرة أن هذه الأفرع من شأنها المساعدة في تحويل الرأي العام العربي لصالح الجمهورية الإسلامية خلال حربها الدموية مع صدام حسين.

وكان النموذج الذي اتخذته إيران في هذا الإطار هو الحركة الشيوعية الدولية التي ساعدت في تأسيس أكثر من 60 حزبا مؤيدا للسوفيات في جميع أنحاء العالم خلال فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.

وعلى مدى السنوات الثماني التي تلت قرار طهران، تم إنشاء 10 فروع لحزب الله في الخارج. وأصبح الفرع اللبناني أشهرها بسبب تورطه في سلسلة من العمليات الدراماتيكية التي كان من ضمنها أخذ أكثر من 100 رهينة من الأجانب.

ويشير الشعار الجديد الذي أطلقه حزب الله في لبنان مؤخرا بوضوح إلى أطروحة أنه، ولو جزئيا على الأقل، كيان أجنبي. وهذا الشعار هو: الشعب والجيش والمقاومة.

وهذا الشعار يقسم الوحدة الوطنية المفترضة للبنان كدولة قومية من خلال تقسيمها إلى ثلاثة عناصر متميزة، وهو يفترض أن الشعب شيء منفصل عن الجيش والمقاومة.

ولأن مصطلح «المقاومة» يفترض أن يشير إلى حزب الله، فإن الشعار يفترض أيضا أن الشعب اللبناني والجيش ليس لديهما الرغبة أو القدرة على مقاومة التهديدات الخارجية لأمن وسيادة لبنان. وهذا الافتراض يضع ضمنا الشعب اللبناني والجيش في موقف يضعه في مرتبة الخاضع لوصاية حزب الله.

ويمكن أن ينظر إلى الشعار كغطاء لإضفاء الشرعية القانونية على تأسيس دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية بدعم طهران المالي والسياسي. وحتى لو تم تقديم الجنود الذين ارتكبوا الجريمة إلى العدالة، فسوف يظل أولئك الذين أرسلوهم إلى ساحة القتل محصنين.

والسؤال المباشر هو: هل يمكن لحزب اتهم بالتورط، ولو من بعيد، في جريمة بشعة بهذه الدرجة، أن يظل جزءا من السلطة التشريعية وحكومة البلد؟

إن إزاحة حزب الله من مواقع السلطة ليس بالأمر السهل. فحزب لديه القدرة، وبالتأكيد سوف يقوم بذلك، على استخدام القوة حتى لو كان ذلك يعني دفع البلاد نحو حرب أهلية جديدة، أمر لا يريده إلا القليل من اللبنانيين.

وهكذا فإن السؤال الحقيقي هو الخيار السياسي الصعب الذي يجب على جميع المعنيين مواجهته، وهو: الاختيار بين العدالة والسلام.