العلم الكردي في سماء تركيا؟

TT

منذ نحو 10 أيام، صدم عثمان بيدمير رئيس البلدية الكردي لديار بكر ذات الأغلبية الكردية، معظم الأتراك عندما تساءل في خطاب عام ألقاه قائلا: «لماذا لم يرفع العلم (الكردي) ذو الألوان الأصفر والأحمر والأخضر إلى جانب العلم (التركي) ذي النجمة والهلال أمام البلدية؟» واستطرد قائلا إن هذا سيكون علم منطقة كردستان التي ستظهر بجانب العديد من مناطق الحكم الذاتي في أرجاء مختلفة من تركيا.

وبعبارة أخرى، طالب بيدمير بتغيير الهيكل «الوحدوي» لتركيا إلى اتحاد فيدرالي (أو «شبه فيدرالي» كما هو الحال في إسبانيا) يضم حكومات إقليمية.

وليس من المستغرب، أن يستثير هذا الطلب ردود أفعال كثيرة، فقد رد الوزير جميل جيجيك، وهو من أكثر الشخصيات القومية في حكومة حزب العدالة والتنمية، على بيدمير بحدة ووصفه بأنه «قد فقد صوابه». وهاجمه بعض المعلقين في وسائل الإعلام بسبب تصريحه الذي اعتبروه «يحرض على الانفصال» وفتح المدعي العام تحقيقا بشأنه، ربما لشعوره بأن فكرة العلم «الكردي» غير مقبول مجرد ذكرها في تركيا.

أما بالنسبة لي، فأنا لست من المعجبين لا ببيدمير ولا بحزبه - ناهيك عن حزب العمال الكردستاني، المنظمة التي تتبنى العنف والتي من الواضح أن بيدمير يتعاطف معها. ولكنني أعتقد أيضا أن اقتراحه لا ينبغي أن يثير الشتائم أو المحاكمة، بل مناقشة صادقة لهذه المسألة.

وأود أن أبدأ هذه المناقشة أولا برسم خط فاصل بين «الحقوق» و«المطالب»، فالحقوق هي التي من حق كل شخص التمتع بها، وليس من المشروع لأي حكومة أن تنزعها منه. ويعتبر التحدث باللغة الكردية وتدريسها واستخدامها في وسائل الإعلام من هذه الحقوق. وقد انتهكت الدولة التركية هذه الحقوق على مدى عقود دون خجل، والأكراد على حق تماما في طلبهم استعادة هذه الحقوق مرة أخرى.

ولكن هيكل الدولة مسألة مختلفة، فهو ليس من الحقوق، وبعبارة أخرى، ليس من حق المرء اختيار ما إذا كان يعيش في ظل دولة موحدة أو اتحاد فيدرالي أو مملكة أو جمهورية. وهذه الهياكل السياسية نتاج ظروف تاريخية، ومستقبلها، يجب أن يحدد، في ظل نظام ديمقراطي، من خلال دراسة «مطالب» مختلف الأفراد والجماعات في المجتمع ككل.

وعندما نصل إلى هذه النقطة، ونناقش ما إذا كان يتعين على تركيا تقبل الحكم الذاتي الإقليمي، سأكون على الأرجح من غير الداعمين لهذه الفكرة - على الأقل على المدى القصير. وفي الواقع، أنا متعاطف مع فكرة «اللامركزية»، والتي دُعي إليها منذ فترة طويلة من قبل الليبرالي العثماني الراحل صباح الدين بك (و«المبادرة الفردية» التي دعا إليها أيضا). لكن اللامركزية لا تعني منح الأقاليم حكما ذاتيا، وهو ما سيحمل حتما طابعا عرقيا داخل تركيا، كما لمح بيدمير بالفعل.

وأول شكوكي المتعلقة بهذا الأمر هو أنه، خلافا لما عليه الوضع في العراق، فإن التكوين العرقي في تركيا لا يجعل هناك جدوى في العرقية الإقليمية، فأكثر من نصف عدد الأكراد في تركيا يعيشون الآن خارج كردستان التاريخية، في المدن الكبيرة مثل اسطنبول أو أضنة، والدولة بها اندماج للدرجة التي تجعل «منطقة كردستان» غير ذات مغزى.

ويمكن لأصحاب الرأي المضاد القول إن وجود منطقة حكم ذاتي كردية في جنوب شرقي البلاد سيجعل جميع الأكراد في تركيا يشعرون بالفخر والرضا، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، بعبارة أخرى فإن الكردي الذي يعيش في اسطنبول سيشعر بمزيد من الاحترام والتمكين عندما يرى العلم الكردي يرفرف في سماء ديار بكر.

وقد تكون هذه نظرية معقولة، لكن لدي شك ثان: إن أغلبية المجتمع التركي من القوميين وأي خطوة من أي نوع نحو الفيدرالية ستؤدي من المرجح إلى تعميق هذه المشكلة. وهذه أمة تسيطر عليها «متلازمة سيفرس» (والتي تقول إن العالم كله يسعى إلى تقسيمنا)، ومتلازمة التماثل (وهي أن الأمة التركية كلها يجب أن تحمل طابعا تركيا تماما)، وأكبر المناصرين لهذا النموذج، هما حزب الشعب الجمهوري القومي العلماني، وحزب الحركة القومية القومي المتعصب، واللذان من المرجح أنهما سيقاومان بكل الوسائل الممكنة أي حديث عن منح الأقاليم حق الحكم الذاتي.

وفي حين أن العلم الكردي في جنوب شرقي البلاد قد يجعل الكثير من الأكراد سعداء، فقد يدفع بعض الأتراك إلى الجنون. وهذا العامل ليس شيئا ندعو إلى قبوله، ولكن لا بد أن يؤخذ في الاعتبار.

ولهذا السبب فإن المطالبة بإقامة حكم ذاتي إقليمي للأكراد، ورفع «العلم الكردي ذي الألوان الأصفر والأحمر والأخضر» لن يكون في مصلحة القضية الكردية في هذه المرحلة بالذات. وقبل طرح هذه البدائل للمناقشة، نحن بحاجة أولا إلى خطوتين مهمتين، أكثر تعقلا وفائدة.

أولا: ينبغي وضع نهاية دائمة لحلقة العنف المستمرة. ويتعين بوجه خاص على حزب العمال الكردستاني التوقف عن مهاجمة الأهداف التركية، وقتل الجنود الأتراك وإرسال موجات صادمة إلى المجتمع التركي ككل. هذه الهجمات ليس فقط تنهي حياة أناس أبرياء ولكن أيضا تسمم المشهد السياسي ككل.

ثانيا: ينبغي سد الفجوة الكبيرة في وجهات النظر بين الأكراد والأغلبية التركية، فمعظم الأتراك ليس لديهم علم بالمأساة التي عاشها الأكراد في العهد الجمهوري، كما أن معظم الأكراد، وبخاصة أنصار حزب العمال الكردستاني، يبدون غير مدركين تماما لآلام الآلاف من الأسر في القرى والأحياء الذين قدموا «شهداء» خلال حرب تركيا المدمرة ضد الإرهاب.

ونحن، وبعبارة أخرى، نحتاج أولا إلى أن نفهم بعضنا البعض قبل معرفة كيفية العيش معا. وقبل أي شيء آخر أن نقوم بتحطيم أسوار الجهل والتحامل والكراهية.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية