ملامح المستقبل

TT

ثمة أحداث أكثر أهمية من القنبلة النووية الإيرانية لا نراها في عناوين الصحف، لأنها أحداث هادئة، أي غير مفرقعة. لعل أهم أحداث هذا العقد أن الصين أصبحت، قبل حين، القوة الاقتصادية الثانية في العالم. لقد فقدت اليابان الموقع الذي احتلته بطريقة عجائبية: خرجت من الحرب ركاما ذليلا مشوها بالانفجار النووي وراحت تقفز كالجنادب إلى أن أصبحت إلى جانب القوة المنتصرة.

أهم ما في تقدم الصين على اليابان هو كيف فعلت ذلك؟ قبل ثلاثة عقود كانت دولة شيوعية تحرث الحقول بحثا عن الأرز. والآن تخفق الرأسمالية في أوروبا وأميركا وتزدهر في شنغهاي. تأمل هذا العالم جيدا تر أنه يتغير ولن يبقى من معالمه القديمة شيء. بعد 4 عقود لن تشكل أوروبا سوى 12% من سكان الأرض. ماذا يعني لك ذلك؟ يعني أن هوية العالم الذي عرفناه طوال قرون تحت مصطلح «الغرب» أو «العالم المسيحي»، سوف يصبح هو العالم «الثالث». الهند التي احتلتها بريطانيا ببضع سفن وحفنة من الجنود المزركشي الثياب، تكاد تصبح دولة كبرى في كل شيء حتى العلم. والصين التي أغرقتها بريطانيا بالأفيون تغرق الغرب بالصناعات. وآسيا تنمو كل يوم بنسب عالية فيما يتوقف النمو في دول الغرب.

قرأت نبأ بلوغ الصين الموقع الثاني وأنا هنا في إسبانيا حيث أقرأ كل يوم عما تفعله الأزمة الاقتصادية بالناس. وعن الديون التي تغرق دول أوروبا. وعن الكساد الذي لا يزال يضرب أميركا. أما الأرقام السعيدة فتقرأها في إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة والفيتنام، حيث تسعى مدينة هوشي منه إلى أن تكون أكبر شريكة للأميركيين. لقد أحرق الأميركيون غابات تلك البلاد لكي لا يختبئ فيها المقاتلون، فحفروا الأرض وقاتلوا من تحتها. ما هي القضية في فيتنام اليوم؟ عدد السياح الأميركيين وعدد المهاجرين إلى أميركا.

كل ملامح العالم القديم تتغير: «الغرب» يهزم في العراق وفي أفغانستان ونفوذه يتراجع في أفريقيا أمام الصين وعدد سكانه يتضاءل على نحو درامي. وسوف يؤدي كل ذلك إلى تغير ما نعرفه «بالنظام العالمي» ذات يوم. سوف يقوم نظام آخر نرى فيه الغربي يحمل حقيبة الصيني الذي كان غارقا في الأفيون والهندي الذي كان ينام على المسامير. في الهواء غير الطلق.