هذا كل ما أخشاه!

TT

من باريس، كان لا بد أن أجد وقتا لمتابعة الكتب التي صدرت حديثا. وهناك مكتبتان شهيرتان: مكتبة إنجليزية ومكتبة إيطالية. وأصابعي مثل ديدان تزحف على ورق أخضر وأصفر وأحمر.. والكتب لها ملمس ناعم.. رائحة الحبر واحدة.. والكتب الجديدة قليلة. ولا أعرف كيف يأتون بمعلومات جديدة عن نابليون.. وكيف يرى الإنجليز شيئا جديدا في حياة تشرشل وشكسبير.. كلاهما كنز لا يدري به إلا الإنجليز..

ولكن الذي يهمني أكثر هو الكتب الجديدة عن الفلسفة وعن الفلك.. وعن القبة السماوية والهيئة الفلكية اليومية والشهرية.. ومعظم المجلات الإنجليزية والأميركية في علوم الفلك تهدي القارئ اسطوانة جميلة.. أجمل هذه الاسطوانات هي التي قدمها العالم البريطاني باتريك سور؛ لولا أن طريقته في النطق تجعل الفهم صعبا.. وتجعله هو كأحد أبناء الكواكب الأخرى. يقول ولكن لا نفهم ما يقول.. وعيب مثل هذه الدراسات البديعة أن كثيرا من السادة القراء لا يعرفونها أو لا يحبونها أو لا يمارسونها. ويرونها غامضة.

ولذلك أتردد كثيرا جدا في كتابتها.. رغم الجهد الهائل في جعلها سهلة التناول والتداول.. ولكن إذا لازمني هذا المعنى فإنني أكف فورا.. وإذا لازمني الإحساس بأن القارئ لا يفهم ما أقول وما أعرض عليه بمتعة.

في هذه الحالة يجب أن أسكت.. وأن لا أكتب وأن لا أكون مثل واحد يكلم نفسه أو يصرخ في صحراء!

وكان من أحلامي - أقول كان - أن أنشر سلسلة من الدراسات البسيطة عن الكون.. وأن أكون خفيفا لطيفا لا أستخدم تعبيرا علميا وإنما أحكيه لشاب صغير أسليه ولا أصدمه.. وكان من أحلامي أن أكتب للأطفال.. ولكن يؤسفني ضيق الوقت وخوفي أن لا أكون واضحا مفهوما.. رغم الجهد العظيم الذي سوف أبذله.. صحيح أنني لم أفعل شيئا.. ولكن ما زلت أحلم..