نتنياهو.. نقيض أوباما

TT

هناك صورتان تزينان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وهاتان الصورتان تلقيان الضوء على حقيقة عجيبة: لا يوجد زعيمان لبلدين ديمقراطيين أقل تشابها - في الخبرات الحياتية والمزاج والفلسفات السياسية – من نتنياهو، الضابط السابق بقوات الكوماندوز والقومي الشرس، وباراك أوباما، الأستاذ السابق والقومي المتأخر.

وكانت إحدى الصورتين لثيودور هرتزل، المولود قبل 150 عاما. وأصبح هرتزل، الذي فزع لاندلاع معاداة السامية في فرنسا أثناء قضية درايفوس في نهاية القرن التاسع عشر، الأب المؤسس للصهيونية. وقبل فترة طويلة من الهولوكوست، توصل إلى أن اليهود لا يمكنهم العثور على الأمان سوى في وطن قومي.

وكانت الصورة الأخرى لونستون تشرشل، الذي اعتبر نفسه «أحد مؤلفي» قبول بريطانيا للصهيونية. نص وعد بلفور لعام 1917 على: «ترى حكومة صاحب الجلالة إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين». وبداية من عام 1923، حكمت بريطانيا فلسطين تحت انتداب عصبة الأمم.

يكرم نتنياهو، الذي يركز بشدة على إيران، تشرشل لأنه لم يحجم عن الحقائق حول جمع العواصف. أعاد أوباما إلى السفارة البريطانية في واشنطن تمثال تشرشل الذي كان في المكتب البيضاوي عندما تولى الرئاسة.

ربما كان لخطاب أوباما عام 2009 في القاهرة، الذي غازل فيه العالم الإسلامي، فوائد يمكن قياسها، على الرغم من أن نظام القياس الذي يثبت ذلك لا يزال غامضا. وهذا الخطاب، الذي ألقاه أثناء رحلة زار فيها أوباما القاهرة والرياض، لكن ليس هنا (إسرائيل)، كان بكل تأكيد مبنيا على موقفه في إسرائيل. وفي هذا الخطاب، وصف إسرائيل كونها استجابة لمعاناة اليهود في الهولوكوست. ومع ما اعتبره الكثير من الإسرائيليين على أنه ممارسة مسيئة للغاية للتكافؤ الأخلاقي، قال: «على الجانب الآخر، لا يمكن أيضا إنكار أن الشعب الفلسطيني، المسلمين والمسيحيين، عانى في سعيه لإقامة وطن خاص به».

«على الجانب الآخر».. يقول موشي يعلون: «لقد شعرت بالصدمة من خطاب القاهرة»، الذي يعتقد أنه أثبت أن «البيت الأبيض الحالي مختلف للغاية». وبصورة لاذعة، سأل يعلون، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ورئيس الأركان العامة ووزير الشؤون الاستراتيجية حاليا، «إذا كان الفلسطينيون ضحايا، فمن هم الجناة؟».

وجاء خطاب القاهرة بعد عشرة أشهر من خطاب أوباما في برلين، الذي أعلن فيه عن نفسه أنه «مواطن في العالم». كان ذلك تباهيا متناقضا، باعتبار أن المواطنة تتضمن الولاء لدولة معينة وقوانينها وعملياتها السياسية. لكن هذا التباهي كان له صدى في أوروبا.

لقد ولد الاتحاد الأوروبي من هروب النخب في أوروبا مما يرعبها، وهم الأوروبيون. لقد انتهت حرب الثلاثين عاما الأولى في 1648 مع معاهدة سلام ويستفاليا، التي صادقت على نظام الدول القومية. أقنعت حرب الثلاثين عاما الثانية، التي انتهت عام 1945، النخب الأوروبية بأن المرض المميت لهذه القارة هو القومية، ويجب أن يكون علاجه هو تخفيف القوميات. وبالتالي تم وضع القيمة العالية على «جمع» السيادة، ناهيك عن تكاليف تضاؤل الحكم الذاتي.

ولا تعد إسرائيل، بحس الدولة العميق لديها، مفهومة لهؤلاء الأوروبيين؛ إنها رائحة نتنة في أنوفهم. تعد التقدمية العابرة للقوميات، بقدر الديمقراطية الاجتماعية في دولة الرفاهية، عنصرا من عناصر السياسة الأوروبية الذي سيحاكيه التقدميون الأميركيون بقدر ما تسمح السياسة الأميركية. ومن الخطأ أن الاتحاد الأوروبي، وهو كيان سياسي شبه خيالي، يعمل - إلى جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة المناهضة لإسرائيل وروسيا - كجزء من «الرباعية» التي من المفترض أن تتوسط لتحقيق السلام في وقتنا بين إسرائيل والفلسطينيين.

ويمكن القول إن الإدارة الأكثر يسارية في التاريخ الأميركي تحاول إضعاف الائتلاف الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل. لا تظهر الإدارة أي تفاهم للائتلاف، الذي يعتقد أنه يفهم الإدارة جيدا.

يكرم رئيس الوزراء تشرشل، الذي تحدث عن «صعوبة فهم البشر». ومع ذلك، من الممكن أن تعلم الصورة الموجودة في مكتب نتنياهو إدارة أوباما شيئا حول هذا الزعيم. إنها تحتوي على خاتم صغير كان جزءا من خاتم عُثر عليه بالقرب من الحائط الغربي. يبلغ عمره نحو 2800 عام، أي 200 عام أصغر من دور القدس كعاصمة للشعب اليهودي. كان هذا الخاتم ختما لمسؤول يهودي، اسمه منحوت عليه: نتنياهو.

لا أحد أقل تقدمية ولا قومية من بنيامين نتنياهو، الذي يعد الاسم الأول له هو نفس اسم ابن يعقوب، الذي عاش قبل 4000 عام تقريبا. وذات مرة قال نتنياهو، الذي لم يصفه أحد من قبل بأنه محبوب، لدبلوماسي أميركي كلمات ينبغي أن تحذر واضعي السياسة الأميركيين الذين يأملون جعل نتنياهو مرنا: «إنك تعيش في تشيفي تشيس.. لا تعبث بمستقبلنا».

* خدمة «واشنطن بوست»