رمضان والشهر

TT

شهر رمضان هو شهر الخير والرحمة والبركة والصوم لدى المسلمين كافة. شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وهو الشهر الذي تستثار فيه مشاعر العطاء والتضحية لدى المسلمين.

لكن، ما أصل كلمة رمضان؟ وما كلمة شهر؟ سؤالان طرحتهما بحكم التخصص اللغوي، جعلاني أبحث عن أصل هاتين الكلمتين الأكثر تكرارا على مسامعنا طيلة هذا الشهر. الشائع في التراث أن كلمة رمضان اشتقت من الرمضاء والحر الشديد، وبأن ذلك سبب تسميته، وهذا صحيح جزئيا، لأن رمضان قد يأتي في الشتاء البارد، ولكنه قد يأتي في الصيف اللاهب، مثلما أتى في هذا العام، حيث بدأ في الأسبوع الثاني من شهر أغسطس (آب) اللهّاب. وآب: اسم الشهر الثامن بالسنة الميلادية باللغة السريانية، وتلك أشهر يمكن تناولها في مقال آخر.

إذن، أصل كلمة رمضان هو «رمض»، ومنها اشتقت الرمضاء، وشطر البيت الشهير الذي أصبح مثلا عربيا: «كالمستجير من الرمضاء بالنار». لكنه ارتبط بالرمضاء والحر بمناسبة تزامنه مع الصيف الحار وقت بدء التقويم الهجري في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب الذي بدأ في 22 يوليو (تموز) عام 622م - هكذا يقول ابن دريد في كتابه «الاشتقاق». تقول الروايات إنه الشهر التاسع من الأشهر العربية التي نظمت ببداية التقويم الهجري، ويبدو أن ترتيبه حينها توافق مع الحر الشديد، لكن مثل هذا القول يخالفه أن التسمية وردت في القرآن الكريم قبل وضع اسمه في التقويم، حيث يقول تعالى: «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن»، أي إن التسمية سبقت عهد خلافة عمر بن الخطاب - مثلما يقول ابن دريد. وبعضهم قال بأن التسمية جاءت لأن رمضان يرمض القلوب، أي: يحرقها بسبب العطش وجفاف الحلق. كأن نقول: إن مناظر ملايين المتشردين في باكستان نتيجة الفيضانات أرمضت القلوب - أي: أحرقتها حزنا. ومثلما شعبان وصفر ورجب، يشيع بين العرب اسم رمضان كاسم علم، ويندر اسم محرم، ولا يسمي العرب بباقي أسماء الأشهر المركبة مثل «جمادى وذو القعدة وذو الحجة وربيع الأول أو الثاني». إضافة أني لم أقرأ أو أسمع يوما باسم شخص اسمه «شوال».

وبعض العرب اشتقت من الكلمة فعل «رمّض» بمعنى قضى شهر رمضان أو صامه، كأن يقولون: «رمّض في مكة» - أي: قضى الشهر في مكة. بعض أهل الخليج يرمّض الآن في دول عربية أقل حرارة من صيف بلادهم - بالمغرب ومصر ولبنان. نعود لكلمة الشهر التي تطورت بمعانيها ومشتقاتها الحديثة بشكل لافت، فالشهر هو المدة الزمنية التي تستغرق ثلاثين يوما، وهي كذلك في اللغات السامية القديمة، فهي من شَهَر، وتعني الإعلان عن الشيء، والمشاهرة تعني المعاومة - أي: جعل الأمر عاما. فيقال: «أشهر من نار على علم». ويقال في الخليج: «شاهر يا ظاهر»، بمعنى «عيني عينك»، أي: ارتكاب فعل - غالبا ما يكون مشينا - جهارا نهارا.

وفي المغرب العربي، غالبا ما نشاهد مقاطع «إشهار»، أي: إعلان تجاري على تلفزيونات تلك الدول.

وفعل «أشْهَرَ» يعني قضى شهرا كاملا، كأن نقول: أشهر بمكة، أي قضى شهرا كاملا بمكة.

ومن كلمة (شهر) اشتق الشهير والمشهور، وكذلك التشهير التي أخذت في الوقت الحاضر بعدا سلبيا ومدلولا قانونيا، فتهمة التشهير تعني إشاعة أخبار سيئة عن شخص ما.

ومنها أيضا جاء الشهر العقاري بمصر، أي التسجيل العقاري في دول الخليج، والطابو في دول الشام، ولعل الطابو كلمة أعيد استعارتها من التركية التي استعارتها بالأصل من العربية - «الطوب». نتمنى لكل صائم لهذا الشهر الكريم أن يكون هينا قليل العناء والرمض.