باكستان: أمل وسط مأساة

TT

حولت الأمطار، التي تسببت على مدى الأسبوعين الماضيين في أسوأ فيضانات في شمال غرب باكستان خلال ثمانية عقود، الانتباه من حرب الدولة ضد التمرد والتسلح وهشاشة علاقتها مع الولايات المتحدة. ومع تحرك الأمطار الموسمية جنوبا، تعرضت الكثير من الطرق والجسور والسدود إلى الدمار، وهلك الحرث. ومن المحتمل ألا يتم زراعة محاصيل العام المقبل. ولكن، وسط هذا الدمار، ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل.

وربما يساعد سعي أميركا سريعا إلى دعم جهود الإغاثة داخل باكستان على تحسين صورة أميركا بين المواطنين الذين يشعرون بالغضب الشديد من الولايات المتحدة. وعلى ضوء 55 مليون دولار تعهدت واشنطن بتقديمها إلى باكستان، تكون الولايات المتحدة أكبر متبرع في المجتمع الدولي. وتساعد طائرات «شينوك» - التي يجري النظر إليها باعتبارها ملائكة الرحمة بعد زلزال عام 2005 - الباكستانيين المرابطين على جبال وسهول اجتاحتها السيول، وتمثل هذه الطائرات قدرة الولايات المتحدة على مساعدة الباكستانيين واستعداد المؤسسة الباكستانية للعمل مع نظيرتها الأميركية. ومن شأن هذا التعاون قطع مسافة كبيرة في الطريق نحو بناء علاقات بين الجنود العاديين بالجانبين. جدير بالذكر أن قائد القوات الجوية الباكستانية يزور الولايات المتحدة هذا الأسبوع لمشاهدة تدريبات جوية مشتركة تجري في نيفادا. ومن شأن مثل هذه المقابلات تثقيف الأفراد ومساعدة البلدين على القضاء على المفاهيم الخاطئة حيال كل منهما.

رغم الضجة الكبيرة التي صاحبت النتائج السلبية التي توصل إليها استطلاع التوجهات العالمية الذي أصدره معهد «بيو» في 29 يوليو (تموز)، لا تزال هناك مؤشرات كامنة توحي بالأمل، حيث توصل «بيو» إلى أن 68% من الباكستانيين ينظرون إلى واشنطن على نحو سلبي، و59% ممن شملهم الاستطلاع أشاروا إليها باعتبارها عدوا. لكن لم ينتبه الكثيرون إلى نسبة الـ64% من الباكستانيين الذين يرون أنه من المهم تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. ولا شك أن هذه فرصة أمام الدولتين لتعزيز التفاهم بين جماهير الطرفين. وكشف استطلاع للرأي لـ«غالوب»، عن وجهة النظر تجاه الولايات المتحدة داخل نحو 20 دولة صدر في فبراير (شباط)، أن 23% فقط من الأميركيين ينظرون على نحو إيجابي لباكستان. إلا أنه في الوقت الذي شكلت نسبة الأميركيين البالغين من العمر 55 عاما فما فوق نسبة 17% فقط بين أصحاب النظرة الإيجابية تجاه باكستان، تمثل النبأ السار في أن الأميركيين بين 18 و34 عاما شكلوا 34% من هذه المجموعة. ربما تكون هناك فرصة لخلق تواصل بين الشباب الأميركي والباكستاني ومساعدتهم في تجاوز الخطابات المتخندقة التي شكلت لفترة الدويلة الدافع المحرك وراء القرارات السياسية بالبلدين.

الملاحظ أن الخطاب الأميركي والباكستاني حيال أفعال كل منهما شهد تحولا كبيرا منذ قيام دولة باكستان منذ 63 عاما ماضية، حيث تراجعت مكانة باكستان في الخطاب الأميركي من كونها «أوثق الحلفاء» إلى دولة منبوذة تخضع لعقوبات أميركية. وتحدث الكثيرون عن الملاذات الآمنة داخل باكستان للإرهابيين، ووصفها البعض بأنها دولة إرهابية تواجه خطر التحول إلى دولة فاشلة. وينظر الكثيرون في الولايات المتحدة إلى باكستان باعتبارها دولة مخادعة، مشيرين إلى كذب الجنرال محمد ضياء الحق في ثمانينات القرن الماضي عندما أنكر أن بلاده تخصب اليورانيوم لصنع قنبلة نووية على غرار ما فعلت غريمتها التاريخية الهند.

بيد أنه من وجهة النظر الباكستانية، تعد واشنطن حليفا متقلبا، على النقيض من الصين التي وقفت دوما بجانب باكستان. وتدور وجهة النظر الباكستانية حول ما إذا كانت واشنطن صدقت أكاذيب ضياء الحق لحاجتها للدعم الباكستاني في القتال ضد الاتحاد السوفياتي بأفغانستان - مما يعد دليلا آخر على تفضيل واشنطن الدخول في علاقات تخدم مصالحها فحسب.

وقد صاغت إدارة أوباما والكونغرس برنامج مساعدات أطول أمدا طبقا لقانون يرعاه عضوا مجلس الشيوخ جون إف. كيري وريتشارد لوغار وعضو مجلس النواب هوارد بيرمان. وتظهر بخريطة برنامج المساعدات التي وضعتها وزارة الخارجية مشاريع بمختلف أرجاء باكستان من شأنها المساعدة في التشديد على أن المساعدات لا تقتصر على المناطق الحدودية مع أفغانستان فحسب، وإنما تنتشر رقعتها لتشمل مختلف أرجاء البلاد وترمي إلى خدمة برامج تسعى لتلبية الحاجة الملحة للمواطنين.

في الواقع، من المحتمل أن يجري تمويل بعض المساعدات الموجهة لباكستان حاليا طبقا لقانون كيري - لوغار - بيرمان. إلا أنه يتعين على الجهود الأميركية إعادة تقييم وهيكلة ذلك المشروع في ضوء السيول الأخيرة. وينبغي الإسراع في تدفق الأموال. وسيتمثل الاختبار النهائي الحقيقي لتلك الخطط في باكستان ذاتها - في أسلوب تنفيذ الخطط والإجراءات السياسية التي تتخذها الحكومة والمعارضة هناك لتوحيد صفوفهما ومساعدة الملايين من المشردين من ضحايا الفيضانات.

ومن أجل إعادة بناء المنازل المتضررة والبنية التحتية ومساعدة الباكستانيين على تجاوز المحنة، تحتاج باكستان لمساعدات هائلة - ليس من أميركا وأوروبا فحسب، وإنما أيضا من الدول المسلمة وجيرانها. حينئذ، تستعر نيران الحرب ضد حركة التمرد الداخلي والحركات المسلحة التي تهدد الحياة السياسية الباكستانية. وحتى في الوقت الذي تركز واشنطن اهتمامها على الانسحاب من أفغانستان، يجب ألا تغفل عن الاحتياجات المدنية الباكستانية على المدى الطويل - ليس بغية تحقيق مكسب قصير الأمد فحسب، وإنما لبناء علاقة دائمة. ومن أجل تغيير شكل العلاقات الأميركية - الباكستانية، يتعين على واشنطن وإسلام آباد اتباع نهج متناغم في سلوكهما، ويجب بناء الثقة على أساس التفاهم المتبادل والإجراءات التي تعود بالنفع لكلا الجانبين.

* مدير مركز جنوب آسيا التابع للمجلس الأطلسي

* خدمة «واشنطن بوست»