إغلاق بازار الفتاوى!

TT

كتبت قبل بضعة شهور مقالا بعنوان «فتاوى» بدأته بالقول: «من نتبع؟ من نرفض؟ من نكفر؟ من نقتل؟ من نفسق؟ من نبدع؟ ومن نقاطع؟ أسئلة حادة لا بد أنها دارت داخل بعض الرؤوس التي أصابها (بازار) الفتاوى بالدوار، فما هطل على رؤوسنا - في هذا العصر - من فتاوى قد يفوق عددا مجمل الفتاوى التي صدرت طوال التاريخ الإسلامي، إنها سلسلة طويلة لا تنتهي، ولا تتوقف، تلاحقك أينما كنت: أمام التلفاز، أو في مواجهة الحاسوب، أو عبر المذياع، أو كنت تتصفح بريدك الإلكتروني، فكل وسائل العصر الحديث غدت تقطر فتاوى، وأنت لا تدري من المؤهل لهذه المهمة، ومن الذي تزبب قبل أن يحصرم!».

كتبت ذلك ولم يدر في خلدي آنذاك أن إغلاق هذا «البازار» سيكون أسرع مما تصورت، فلقد جاء قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء ليخرجنا من النفق المظلم والمربك والكئيب الذي أدخلتنا إليه فوضى الفتاوى، ولإنقاذنا من أن نكون مصدر دهشة وتندر العالم من حولنا، فهذا القرار أعاد الأمور إلى نصابها، وأسند الأمور إلى أهلها، وأرجع للفتوى اعتبارها.

وعلى الذين اعتادوا فتح شلالات الفتاوى من على المنابر، والفضائيات، ومدونات الإنترنت أن يتعلموا فضيلة الصمت، وأن يتمعنوا جيدا ما جاء في الأمر الملكي من تحذير «كل من يتجاوز هذا الترتيب فسيعرض نفسه للمحاسبة والجزاء الشرعي الرادع، كائنا من كان؛ فمصلحة الدين والوطن فوق كل اعتبار»، وقول الملك: «سنتابع كافة ما ذكر، ولن نرضى بأي تساهل فيه قل أو كثر»، فهذه اللغة الحازمة، والحاسمة، والمسؤولة، لا تقبل التأويل واختلاف الفهم، فهي محددة المعنى، واضحة القصد، جلية الهدف.

وقد وجد القرار ما استحقه من اهتمام، فاحتفى به علماء الأمة، ورحبت به شرائح المجتمع، وأشاد به المنصفون، واعتبره الجميع من أهم وأبرز القرارات التي تحفظ للدين مكانته، وللفتاوى أهميتها، ولدي الكثير من الثقة بأن الجهات ذات العلاقة الموكل إليها متابعة الأمر وتنفيذه ستقوم بأدوارها على أكمل وجه، وسيجد الذين تجرأوا على الفتوى لسنوات طويلة أنفسهم أمام خيارين: المحاسبة أو الصمت، والعاقل من شد زمام الكلام، وعرف قدر نفسه.

[email protected]