حياكة المأزق الشخصي

TT

ماذا تحب الشعوب في قائدها؟ أن يحبها هو أيضا. أذكر أنه في الأشهر الأولى من حكم ميخائيل غورباتشوف، كان في زيارة بالغة الأهمية إلى الخارج (ربما أميركا) عندما وقع زلزال هائل في الاتحاد السوفياتي، فقطع زيارته على الفور وعاد يتفقد الأماكن المتضررة. ووقعت كارثة مشابهة في مصر فيما الرئيس حسني مبارك في الخارج، فقطع الزيارة وعاد. والأسبوع الماضي كان العالم يرقب مشهدين كليهما مؤلم: الفيضانات تجتاح باكستان وتشرد 15 مليون إنسان وتقتل الآلاف.. فيما آصف علي زرداري يكمل جولته في أوروبا، وتلتقط له الصور التذكارية في داوننغ ستريت.

لم تكن هذه هي المرة الأولى. ففي العام الماضي كان ملايين الباكستانيين يفرون في إقليم سوات قبل الحملة على طالبان، فيما كان الرئيس الباكستاني يكمل جولته في أوروبا وأميركا. على أن السيد زرداري يحتاج إلى مجهود إضافي لكي يصبح رئيسا مقنعا، أو مستحقا. فالدراما التي أدخلته السجن وهو زوج بي نظير بوتو، بتهمة الفساد، هي الدراما التي أدخلته القصر الجمهوري بعد اغتيالها.

لكن باكستان لم تعرف تطورا ما منذ مجيئه. فالرئيس يعيش عزلة متزايدة في قصره الفخم. وقد سد جميع النوافذ بالباطون المسلح خوف الصواريخ. وعلاقات باكستان مع حليفها الأميركي تتردى وتتجمد مع جارها الهندي. وقد أعطى الرجل وعودا في كل الاتجاهات، لكن المؤسسة العسكرية الحاكمة فعلا منذ 63 عاما منعته من تنفيذ أي منها. وكلما ازدادت مظاهر الضعف في الرئاسة المدنية تزايدت احتمالات عودة العسكريين، الذين لم يعتادوا الغياب الطويل في أي حال.

استمرار زرداري في زيارة لندن والابتسام للمصورين فيما الفيضانات تعمم الحزن في بلاد السند والبنجاب وخيبر وغيرها، أعطى المعارضين ذريعة لحملة جديدة. ألا يكفي أن الرئيس يمضي أكثر وقته في مشاهدة الأفلام الهندية التي يحبها، والتي كان أهله يتاجرون بها؟.. أما عزلة أو سفر؟

في الفترة الماضية كان زرداري منهمكا في تقديم أبنائه إلى زعماء العالم: آصفة وبختاوار إلى الرئيس الصيني هو جينتاو. ورافق بيلوال والده إلى الإليزيه للقاء نيكولا ساركوزي. ألا تبدو هذه مبالغة في تقديم المصالح الشخصية على القضية الوطنية؟ أم أن هناك ما هو أسوأ من ذلك: هروب دائم إلى الأمام في بلد يقف على الحافة في كل شيء: السياسة والاقتصاد والخوف من عودة العسكر أو وصول طالبان؟ ومهما يحدث في الأيام المقبلة، فسوف يبدو الوضع من صنع الرئيس نفسه.. ومسؤوليته طبعا. فلا يمكن لبلد أن يغرق في الفيضان ورئيسه في الخارج.