احكم على نفسك بنفسك

TT

للإمام فخر الدين الرازي كتاب ظريف اسمه «الفراسة»، وهو الدليل إلى معرفة الشخصية من خلال التفرّس - أي التمعّن - بملامح من تقابلهم من الناس، والواقع أن هذا الكتاب عندما قرأته أثر في جدا، وأصبح لا هم لي إلا أن أتفرس في وجوه من أقابلهم إلى درجة مزعجة كادت تسبب لي في بعض المرات نتائج عنيفة.

والرازي في مؤلفه ذاك يستند إلى قوله تعالى: «تعرفهم بسيماهم» - سورة البقرة 273.

وكيف أن عمر بن الخطاب كانت له فراسة عظيمة وهو الذي قال: من لم ينفعه ظنه لم تنفعه عينه، كما أن علي بن أبي طالب قال: من لانت أسافله صلبت أعاليه، ومن صب الماء بين فخذيه ذهب الحياء من عينيه.

ويستشهد الرازي بالشعر قائلا:

أرى الناس خداعا إلى جانب خداع

يأكلون من الذئب ويمشون مع الراعي

ويضرب مثلا في الفراسة ذاكرا أن (اقليمون) الحكيم كان صاحب فراسة، وأراد أن يختبره أحد السلاطين وهو مشهور بالعفاف، فطلب من أحدهم أن يرسم وجهه بشكل دقيق، ثم أمرهم أن يذهبوا بصورته إلى (اقليمون) ليحكم عليه، فما إن شاهد تلك الصورة حتى قال: هذا رجل عظيم الرغبة في الزنى، فكادوا يفتكون به، غير أنهم اضطروا للرجوع للسلطان وإخباره، فبقي متعجبا من فطنته، ثم ركب له وأكرمه وقال له: صدقت والله فقد كنت كذلك، إلا أني كنت أصون نفسي عن تلك الفاحشة.

ويضرب أمثالا بالملامح يبدأها (بالجبهة) ويقول: من كان مقطبا لجبهته فهو غضوب، ومن كانت جبهته صغيرة فهو جاهل، وإن كانت عظيمة فهو كسلان، وإن كانت كثيرة العضوية فهو صلف، وإن كانت منبسطة فهو مشاغب.

ثم يذهب للعين ويبدأها ببيت الشعر التالي:

أشارت بطرف العين خيفة أهلها

إشارة محزون ولم تتكلم

فأيقنت أن الطرف قال مرحبا

وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم

وبعدها يسترسل قائلا: من كانت عينه جاحظة فهو مهذار، وإن كانت غائرة فهو حقود، وإن كانت صافية فهو بليد، وإن كانت تتحرك بسرعة فهو إما مكّار أو محتال أو لص.

ثم يذهب إلى الأنف قائلا: إذا كان طرفه دقيقا فهو محب للخصومة، وإن كان أفطس فهو شبق، وإن كان غليظا فهو قليل الحس والغيرة.

يأتي إلى الفم قائلا: من كان فمه واسعا فهو نهم، وإن كان غليظ الشفة فهو أحمق، وإن كان قليل صبغ الشفة فهو ممراض.

حتى الضحك لم يسلم من رصده ويقول: من كان كثير الضحك فهو متساهل، ومن كان قليله فهو معاد ومخالف، ومن كان عالي الضحك فهو وقح وسليط وصخّاب.

ويختم كتابه بختام يشبه المسك عندما تحدث بفراسة عن الأعضاء قائلا بالحرف الواحد: من كان عظيم الإليتين فهو قوي جبّار، أما من كان اللحم على إليته قليلا كأن مسح عليها مسحا فأخلاقه رديئة، وهذا الدليل مأخوذ من القرود - ومن حسن الحظ أنه أنهاه بقوله: والله أعلم بالصواب.

ونصيحتي هي لمن يقرأ الآن هذا الكلام، أن يذهب فورا إلى المرآة و(يتفرّس) بوجهه وأعضائه، ثم يحكم على نفسه في أي صنف هو من تلك الأصناف التي ذكرها الإمام الرازي؟! - أنزل الله على قبره شآبيب الرحمة.

[email protected]