محاكمة مروجي «الكوسة»

TT

من يستطيع أن يغلق بابه في وجه الوساطات غير الخيّرة، أو «الكوسة» فلله دره! فشر ما تبلى به المجتمعات انتشار «الواسطة لوجيا» كرافعات لمن لا يستحق الرفع، ومن منا - مهما صغر موقعه الوظيفي - لم يألف قدوم بعض مروجي «الكوسة» للتوصية على «زيد» أو الشفاعة في «عمرو»، حتى غدا البعض إذا ما هم لمراجعة موضوع له، حتى ولو كان مشروعا فإن أول ما يبحث عنه «الواسطة»، فثمة حالة إدمان لهذه الأسلوب غير المحمود.

ولذا، وجدت نفسي بالأمس أقرأ خبرا مرة واثنتين وثلاثا، فالخبر مختلف، وفريد، و«غير»، فلم يسبق أن صرح مسؤول - على حد علمي المحدود - بإحالة الذين يقومون بالشفاعة والوساطة، أو ما يصطلح عليه في المجتمع بفيتامين «واو» إلى التحقيق والمحاكمة، فلقد أصدر مدير شرطة حائل السعودية أمرا بإحالة جميع الأفراد الذين يشفعون لأقاربهم ومعارفهم لديه بغرض النقل أو خلافه إلى التحقيق والمحاكمة، معتبرا ذلك يندرج ضمن «الواسطة غير الحسنة»، وحذر مدير الشرطة مَن تسول له نفسه القدوم إليه متشفعا أو كواسطة بأنه سيحال إلى إدارة المتابعة للتحقيق معه ومحاكمته، والكلام جميل، وحلو، وجديد، بشرط أن يطبق على الجميع، ولو أخذ الآخرون بهذا المبدأ الجميل الذي أعلن تطبيقه مدير شرطة حائل، فلنا أن نتخيل كثافة الذين سيحقق معهم في المجتمع.

أعرف مسؤولين يكرهون «الواسطة» ويحاربونها بأسلوبهم الخاص الذي لا يصل إلى التحقيق مع الوسطاء، إذ يكتفون بالتعليق على خطابات الشفاعة بعبارة «يعامل حسب النظام»، وهي عبارة لها معناها الواضح والجلي، وتكفل أن ينفض جمهرة الوسطاء عن هؤلاء المسؤولين، فما يطلبه بعض الوسطاء يتنافر مع النظام، ويختصم معه.

وإشكالية «الوساطة لوجيا» أنها تنشأ وتنتشر بقدر ما تحققه من نجاحات، فلو أن غالبية المسؤولين لدينا لهم نفس الموقف الحاسم لمدير شرطة حائل، أو أولئك الذين يكتبون «حسب النظام» لانحسرت، وانقرضت، ولحقت بالديناصور، لكن الأبواب المفتوحة لها أكثر من الأبواب المغلقة، وهذا ما يكفل استمرارها، ورواجها، وانتشارها، وتعلق البعض بها.

شكرا لمدير شرطة حائل، وشكرا لعبارة «حسب النظام»، فنحن نحتاج أن نوحد كل الجهود لنصل إلى اليقين، بأن ما تحصل عليه هو حقك الذي يكفله لك النظام، وما تمنع عنه هو ما يستحيل أن يحصل عليه غيرك بالواسطة، وعندها ستنتهي هذه «الحدوتة» المقيتة.

[email protected]