دمعة على القصيبي

TT

أعتذر لأنني سأنقل لك خبرا سيئا، ولكن القصيبي رحل! كان هذا صوت الصديق محمد باغميان صاحب «كنوز المعرفة» من جدة. إنها سنة الحياة الدنيا، ورأيت أن تكون أول من أنقل إليهم الخبر لأنك من أصدقائه.

رحم الله أبا سهيل، فقد كان سيد الرجال. عرفته منذ ما يزيد عن 20 عاما والتقيت بالفقيد الكبير في مبنى السفارة السعودية في لندن في أوائل التسعينات، وكانت ذكرى اليوم الوطني للمملكة، وعلى الرغم من مشاغله الكثيرة في ذلك اليوم فقد أعطاني من وقته الكثير. ثم التقينا قبل سنوات في منزله في البحرين وسلمني مخطوط كتابه «سعادة السفير» ودار الحديث بيننا عن هموم النشر والكتاب العربي، وكان دوما يسألني عن الراحل عبد الرحمن منيف، وعن الكتاب السعوديين الذين أنشر لهم. في لقائي الأخير معه، في مكتبه في وزارة العمل بالرياض، اصطحبت ولدي عبد الوهاب، وسلمني مخطوط كتابه «كي لا تكون فتنة».

نشرت له 20 كتابا، حادثته هاتفيا قبل شهر، وكان يمضي فترة نقاهة في مملكة البحرين، لأطمئنه بأن كتابه الأخير «الوزير المرافق» الذي خص به «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» هو قيد الطبع، وطلب مني الاهتمام بمراجعته، والحرص على صدوره دون أخطاء مطبعية، وهو الحريص على الدوام على مراجعة كتبه بنفسه وتدقيقها قبل النشر. وعندما أرسل لي المخطوط أرفق به كعادته صورة للغلاف تجمعه مع هيلموت شميدت المستشار الألماني.

وعندما أرسلت له تصميم الغلاف أبدى رضاه، وكانت له ملاحظة لغوية بسيطة على كلمة في الغلاف الخلفي للكتاب، وأبلغني عن طريق السكرتير بدر الريس ومساعده هزاع العاصمي أن أمضي في طباعة الكتاب. أرسلت له نسخا فور صدور الكتاب، وعلمت أنه أهداها لبعض الوزراء والمقربين من أصدقائه.

كان القصيبي حرا مستقلا في آرائه، وكان يرفض، وهو الوزير المتنفذ، أن يتدخل مع السلطات الرقابية في فسح كتبه، إلى أن قام وزير الإعلام الحالي عبد العزيز خوجه بالسماح لجميع مؤلفاته بدخول السعودية، ويقيني لولا هذا الاعتراف المتأخر بفضله وبأهمية فكره في بلده لمات والحسرة تملأ قلبه. رحمك الله يا أبا سهيل، فقد رحلت في هذا الشهر الفضيل وعدت إلى ربك راضيا مرضيا.

عزاؤنا جميعا أنك تركت للقارئ العربي ذخيرة لا تنضب من الكتب الإبداعية والفكرية والأدبية.

* ناشر عربي/ مدير عام «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» بيروت - عمان