غازي إلى رحمة الله

TT

تعبت أبحث عن كتاب الدكتور غازي القصيبي «الوزير المرافق» بالسعودية، وعلى الفور بادرت متصلا بالصديق هزاع العاصمي مدير مكتب الوزير، والرجل المرافق له في رحلة العلاج، فقال إنه لم يتم طبع الكتاب في السعودية بعد، لكنه سيوفر لي نسخة.

ظهر يوم الأحد تسلمت مظروفا بريديا كتب عليه «يفتح بيده»، وفي اللحظة التي كنت أفتح فيها المظروف كنت أهم بتشغيل التلفاز، وبينما كان بيدي كتاب «الوزير المرافق» كان التلفاز ينقل خبرا مفاده «وفاة الوزير غازي القصيبي». ويا لها من مفارقة!

لا أدعي معرفة وثيقة، شخصية، بالدكتور غازي القصيبي، رغم أنني التقيته، وتحدثت معه مرات عديدة، منها ما كان من باب المجاملة، ومنها ما يروى في وقته، وحينه، لكنني أدعي معرفة بكل ما أنتجه الرجل من فكر، وأدب، ومعرفة بجل مواقفه السياسية التي جعلت منه رجلا يستحق أن يطلق عليه لقب «رجل دولة».

كان الوزير، والسفير، والشاعر، غازي القصيبي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، مقاتلا شرسا، ومحاورا مبدعا، ومثقفا فذا، وشاعرا رائعا، عذبا، في غزلياته، ووطنياته، وما أجمله حين كتب «كالحلم جئتِ.. وكالحلم غبتِ.. وأصبحت أنفض منك اليدا.. فما كان أغربه ملتقى.. وما كان أقصره موعدا» إلى أن يقول «أيا ابنة كل اخضرار المروج.. أنا ابن الجفاف وما استولدا». ثم يقول «عرفت عصارة كل الهموم.. رضيعا وعانيتها أمردا». إلى أن يصل إلى هذا البيت الرائع «ويا كل أفراح كل الطيور.. أنا كل أحزان من قُيّدا».

كان لغازي ميزة فريدة، فقد نال المجد من أطرافه، وثق به الملوك، الراحل الملك خالد رحمه الله، والراحل الملك فهد رحمه الله، كما وثق به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، ووثق به ولي العهد الأمير سلطان، والنائب الثاني الأمير نايف، وكذلك الأمير سلمان، ووجد له مساحة عريضة من المحبة والاحترام، وكذلك الاعتزاز من قبل شريحة عريضة من السعوديين، وبات القصيبي نارا على علم، لكنه لم يتضخم، ولم يشعر يوما بأنه أكبر من وطنه، وقيادته.

كان غازي الوزير المؤتمن، لكنه حافظ لنفسه على مساحة ليست بالهينة، جابه جيل الصحوة في ذروته، «حتى لا تكون فتنة» وهو وزير في الدولة، وفي عهد الملك فهد رحمه الله، ونافح عن بلده شعرا، ونثرا، ودبلوماسية، وبقلم من رصاص، حقيقي، أطلقه على صدر صفحات هذه الصحيفة حين نشر سلسلة «في عين العاصفة» فكان وزارة إعلام بحد ذاته، ويومها قال، وما أروع ما قال:

أجل نحن الحجاز ونحن نجد

هنا مجد لنا وهناك مجد

ونحن جزيرة العرب افتداها

ويفديها غطارفة وأسد

ونحن شمالنا كبر أشم

ونحن جنوبنا كبر أشد

ونحن البيد رايات لفهد

ونحن جميع من في البيد فهد

اختلف معه حتى محبوه في بعض القضايا، خصوصا حين تولى وزارة العمل، لكن احترامه، ونزاهته لم تمس أو تطعن، فالجميع يشهد له بالنزاهة، والوطنية. احترمت القصيبي، وأكبرته، لأسباب عدة، وعندما تعرفت عليه كنت على حذر، قلت له قبل عامين «أين غازي المقاتل»؟. فقال ضاحكا «لقد ركد الرماة»! ثم قال لي «اجعل التواصل عادة»، فقلت له «تعلمت في هذه المهنة أن لا أقترب كثيرا ممن أعجب بهم، وأحبهم، لكي لا أصدم». فضحك قائلا «ما شفت شيء». نسأل الله له المغفرة والرحمة، وأن يسكنه فسيح جناته.

[email protected]