رحل الذي حاوره الخصوم بالكبريت والنار

TT

قبل خمس سنوات من رحيله كتب غازي القصيبي قصيدة رثاء في ذاته قال فيها:

«خمس وستونَ.. في أجفان إعصارِ

أما سئمتَ ارتحالا أيها الساري؟

أما مللتَ من الأسفارِ ما هدأت

إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟

أما تَعِبتَ من الأعداءِ مَا برحوا

يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ

والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ

سوى ثُمالة أيام وتذكارِ

بلى! اكتفيتُ وأضناني السرى، وشكا

قلبي العناءَ! ولكن تلك أقداري».

فهل حقا سئم عاشق الحياة تكاليف الحياة؟ وهل حقا أضناه السرى، وشكا قلبه العناء؟ لقد كانت حياة غازي القصيبي رحلة استثنائية لرجل استثنائي.. رحلة فيها شيء من كل شيء، جمعت بين الانتصارات والانكسارات، بين رهافة الفنان وصرامة المسؤول، بين كثرة الخصوم وكثافة المحبين، رحلة رجل عاش عمره تحت عين الشمس، على مرأى من العيون، وعلى مرمى من الورود والسهام، عاش حياته شامخا كصارية مركب، فلم ينحن للريح، ولم يستسلم للعواصف.

رحل القصيبي، وها هي الأحزان تنطلق من عقالها، فمن لم يؤلمه نبأ موت هذه النخلة السامقة التي ظلت طويلا تمطر عسلا وحلوى؟! من لم يحزنه صمت الشعر، وبكاء العصافير؟! ومن ترى سوف يمزج بين حبيبته والرياض، ويترنم بالغناء:

«وفاتنة أنت مثل الرياض

ترق ملامحها في المطر

وقاسية أنت مثل الرياض

تعذب عشاقها بالضجر

ونائية أنت مثل الرياض

يطول إليها.. إليك السفر

وفي آخر الليل يأتي المخاض

وأحلم أنا امتزجنا

فصرتُ الرياض

وصرتِ الرياض

وصرنا الرياض».

وما أصدق المبدعة أشجان هندي، وهي تقول عنك: «يتشابهون وأنت استثناء»:

«يا غازيَ: الميناءُ يسألُ حائرًا... عنكَ الشموسَ، وتسألُ الأرجاءُ».

رحمك الله أيها المبدع الكبير، والمفكر العظيم، والوزير المتألق، والإنسان الجميل، وها نحن اليوم نعزّي فيك أنفسنا، فكلنا أهل، وكلنا محبون.

[email protected]