مسجد أوباما

TT

دخول الرئيس الأميركي باراك أوباما دائرة الجدل بشأن إنشاء مركز إسلامي يضم مسجدا قرب موقع تفجيرات نيويورك، كان كفيلا بتحويل الضجة التي أثارها المشروع إلى قضية خلافية على مستوى وطني. صحيح أن موقف أوباما بدا ملتبسا، فهو قال إنه يساند حق المسلمين في بناء المركز لكنه لن يعلق على مدى «حكمة» اختيار موقعه، إلا أن منحى تصريحاته هو دعم المشروع.

أن يطلق أوباما هذه التصريحات قبيل أسابيع من موعد الانتخابات التشريعية كان كفيلا بفتح النار وتسعير مواجهة سياسية وإعلامية ساخنة تستهدف مجددا «ذات» الرئيس الأميركي وهويته. بدأت كليبات دعائية لبعض المرشحين الجمهوريين بالظهور على بعض الشاشات ومواقع الإنترنت التي تجادل في موقف الرئيس الأميركي من بناء المركز الإسلامي، وأفرد الجمهوريون ومعلقوهم ووسائل إعلامهم مساحات لتعليقات واستطلاعات رأي وحملات دعائية تجهد لضرب مصداقية أوباما والديمقراطيين قبيل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية. وأعاد معلقون التذكير بأصول أوباما وبنشأته كمسلم.

لكن هل كان موقف أوباما ملتبسا أو هل حقا حاول تعديل تصريحاته الثانية بشأن المشروع بعد الضجة التي أثارها في التصريحات الأولى؟

هل سحب أوباما دعمه لفكرة بناء المسجد على حدّ ما طغى في التغطية الإعلامية لمواقفه!

ليس بالضرورة..

يقول أوباما في معرض دفاعه عن بناء المسجد «إن للمسلمين الحق في ممارسة شعائرهم كأي فرد آخر في هذه البلاد. وهذا يشمل حقهم في بناء مكان للعبادة ومركز اجتماعي في مقر خاص في مانهاتن بما يتماشى مع القوانين. هذه هي أميركا وتمسكنا بالحريات الدينية يجب أن لا يهتز».

قد يكون أوباما قد حوّل برشاقة وحنكة مسار النقاش.. فهو في المرة الأولى أكد على حق دستوري هو أحد أعمدة النظام الأميركي وهو الحق في إنشاء مركز ديني أو اجتماعي. أما في التصريحات الثانية فهو طرح مدى «حكمة» هذا الأمر دون الوصول إلى محاربته وقمعه على نحو ما طالب يمينيون وجمهوريون أميركيون.

بمعنى آخر، هدف أوباما نحو طي الجدل بشأن أن تتدخل السلطة الأميركية في وقف بناء المسجد والتأكيد على «الحق» الدستوري في إنشائه. لكن أوباما أبقى الجدل ضمن حدود الرأي العام وسطوته. لقد تمكنت ضغوط الرأي العام من دفع إمام المركز الإسلامي المزمع إنشاؤه على بناء تذكار لضحايا الهجمات وعلى تغيير اسم المشروع.

حوّل أوباما النقاش في موضوع المسجد من قضية خلافية بين مسلمين وغير مسلمين في أميركا إلى صلب النقاش الأميركي حول الحريات. المسألة كما أشار تتعلق بتقديس الحريات العامة واحترام خيارات الأفراد وليست في هوية المنشأة ولا في موقعها. هذا التحويل لن يخدم الطرفين: الأول هم المعترضون على إنشاء المسجد بسبب هويته الدينية من اليمين الأميركي، والثاني هم مسلمو العداء الفطري لأميركا ولما تحتمله من معان وقيم.

لا يبدو أن الكثير من وسائل الإعلام التقطت هذا المؤشر وحاولت أن تبني عليه قصة بناء المسجد أو على الأقل وجهة النقاش المفترضة حوله.

diana@ asharqalawsat.com