الكلبة ضلت الطريق!

TT

كان الاتحاد السوفياتي أول من وصل إلى فضاء الأرض. أطلق الكلبة «لايكا» على متن السفينة «سبوتنك» تدور حول الكرة وتنبح على وحدتها بلا جدوى. أدهشت لايكا العالم وأرعبت الولايات المتحدة. ثم جاء دور البشر يجوبون مدار الأرض وكان الروسي يوري غاغارين «آدم» الفضاء. أدهش العالم وأرعب الأميركيين. وما لبث أن دخل عملاقا الحرب الباردة في صراع على حوض الأرض. سفن طالعة سفن نازلة وعشرات المليارات تصرف في الطلوع وفي النزول.

الحرائق التي دمرت روسيا هذا الصيف، وتدمر كاليفورنيا كل صيف، ذكرتنا بأن عملاقي التطور العلمي انصرفا إلى اللهو خارج الأرض بدل أن يركزوا كل الجهود لحل القضايا القائمة فوقها. بدل اختراع سفينة قادرة على بلوغ المريخ والنط فوقه والتقاط الصور التذكارية لقحله، الإصرار على المضي في العمل حتى الوصول إلى اختراع يحصنها ضد عود ثقاب أو زجاجة فارغة يحولها الحر إلى فتيل يشعل الغابات.

كان التشيكيون قد حولوا طائرة الميغ 19 إلى سلاح مطافئ مذهل، تم استخدامه في حرائق الكويت الهائلة عقب التحرير. ولا أدري لماذا لم تستعن روسيا بحليفتها السابقة في إطفاء طوفان الحرائق الذي رمد غاباتها وجعل من موسكو مدخنته، أو «مشحرة» على لغة الفلاحين. ولا أعرف لماذا منعت الكبرياء روسيا من طلب المعونة من أوروبا القريبة ومن كندا المتخصصة في هذا الحقل، أو أيضا من أميركا.

فإذا كان الموضوع موضوع كبرياء وطنية فإن موسكو استعانت بالطبيب الأميركي مايكل دبغي لإجراء عملية جراحية لرئيسها بوريس يلتسن. وإذا كانت المسألة مسألة تفوق أرضي، فإن أندريه غروميكو، أعتى السوفيات، لم يكن يخجل من التسوق منبهرا في نيويورك. ودائما في المحلات المتوسطة مثل «ميسيس» وليس عند ساكس أفنيو أو بيرغدورف غودمان.

في متابعة تطورات الحرائق الروسية بدا أنها تحارب بالعصي والدلاء. ضيعان الوقت الذي صرفه العلماء الروس في الجو، برغم ما نتج عن ارتياد الفضاء من اكتشافات علمية أفادت في الطب والتصوير والاتصالات. لقد تساوى الأميركيون وخصومهم الروس في العبث الفضائي الذي يشبه الفن التشكيلي. نحبه من دون أن نعرف لماذا.

أيام الأمير بشير الشهابي أراد مد المياه مسافة طويلة إلى قصر بيت الدين. ودرس الخبراء الأمر فوجدوه صعبا ومكلفا فصرفوا النظر عنه. غير أن مجنونا من قرية تدعى شانيه اقترح أن يقوم كل فرد بحفر آلاف الأمتار. وعرف ذلك بحكمة «أخوت شانيه». وكنت أتذكره وأنا أشاهد حرائق روسيا: لماذا لا يطفئونها بحفر الطرق ونزع الأشجار وحلق الأرض قبل أن تمتد؟