منظمات الإرهاب في المفهوم الأميركي

TT

في 6 أغسطس (آب) المصادف يوم الجمعة من عام 2010، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية قائمة بأسماء الأشخاص والمنظمات التي اعتبرتها إرهابية ضمن منظور السياسة الأميركية ومصالحها الدولية، وبلغت 44 منظمة وجماعة أغلبها ترفع شعارات الإسلام.

وبداية لا بد أن نشير إلى أن هذا الموضوع يثير الكثير من الأسئلة وعلامات الاستفهام القانونية والسياسية، منها موضوع تحديد مفهوم الإرهاب ضمن معيار عالمي مقبول دوليا، حيث لا يوجد حتى الآن مفهوم متفق عليه يحدد معنى الإرهاب يمكن أن يعتمد من المجتمع الدولي. لا بل إن من كان يصنف ضمن الإرهاب في زمن معين صار في فترة لاحقة وطنيا أو زعيما أو ثائرا أو ناشطا في ميدان السلام، والأمثلة كثيرة على ذلك، نذكر منها ما حصل مع منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات الذي نال فيما بعد جائزة نوبل للسلام مناصفة مع إسحاق رابين.

لهذا فإن قائمة أسماء المنظمات والجمعيات والأشخاص من الإرهابيين التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية يوم 6 أغسطس 2010 لم تشر إلى الدول الراعية للإرهاب ضمن الوصف الأميركي. إذ من المعروف أن الإرهاب (وهو التطرف المقترن بالعنف المادي) قد يقع من الأفراد أو من المنظمات والجماعات أو من الدول، كما أن هذه الدول قد تمارس الإرهاب (إرهاب الدولة) وقد ترعى الإرهاب وتدعمه وتقدم له جميع التسهيلات.

أما عن حزب البعث في العراق، فإنه ومن الناحية الدستورية وطبقا لنص المادة 7 من الدستور العراقي لعام 2005، جرى تصنفيه على نوعين:

1) حزب البعث جناح العراق (جناح صدام) الذي يسمى بـ«البعث الصدامي» وهو محظور طبقا للمادة المذكورة التي جاء فيها:

«المادة (7): أولا: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون..».

2) حزب البعث جناح سورية، ومن تفسير النص المذكور لا يعد إرهابيا.

فلا ندري هل كان صدام هو المسؤول عن الجرائم الإرهابية التي ارتكبت في العراق عام 1963، بينما هو لم يكن سوى عضو صغير مغمور، أو ربما كان قاتلا مأجورا؟

أما عن العمليات الإجرامية الإرهابية، وهي تصنف ضمن مفهوم الجريمة الدولية التي ترتكب عن عمد في العراق، فإنه مهما كانت الأجنحة والتسميات لحزب البعث (بعث عزة الدوري، أم بعث محمد يونس الأحمد، أم البعث الصدامي أم غير الصدامي، أم حزب اللاعودة.. وغيرها) فإن الجرائم التي وقعت وتقع يوميا على المدنيين الأبرياء في العراق هي من نوع الجرائم الإرهابية. هذا بالإضافة إلى أن حزب البعث في العراق وطيلة أربعة عقود من حكمه كان يمارس الجرائم الإرهابية، بالإضافة إلى إرهاب الدولة ضد الشعب الكردي وضد العراقيين في الوسط والجنوب، فضلا عن الجرائم المعروفة في التصفيات الجسدية للمعارضين العراقيين والمناوئين للنظام المقبور والحروب الخارجية ضد إيران ودولة الكويت وحيازة واستعمال أخطر الأسلحة، ومثال حلبجة خير دليل على ما نقول.

بعد كل هذا وذاك، نتساءل: لماذا لم تصنف وزارة الخارجية الأميركية حزب البعث ضمن المنظمات والجماعات أو الأحزاب الإرهابية؟ ولماذا تسكت الولايات المتحدة عن جرائم حزب البعث في العراق وضد الشعب الكردي وعموم العراقيين وضد إيران والكويت وغيرها وتتغازل مع أشخاص تعمدت أياديهم بدماء الأبرياء؟

هل المعايير المزدوجة والمصالح السياسية والاقتصادية توجب ذلك الآن؟

إن إشراك بقايا حزب البعث في العراق ضمن ما يسمى بالمصالحة والتعايش وبناء السلام الداخلي هو خرق دستوري واضح ويتعارض مع نص المادة 7 من الدستور ومع الاتفاقيات الدولية التي وقع وصادق عليها العراق والمتعلقة بالأشخاص المتهمين بجرائم إبادة الجنس البشري وجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وبالجرائم ضد السلم، ولا يجوز أن يكون هؤلاء ضمن ميدان التعددية السياسية ولا ضمن مفهوم المصالحة الوطنية، لأن ذلك يناقض قواعد العدل والإنصاف، ويعد إضرارا بحقوق الضحايا، كما لا يمكن التمسك بالمساواة في الحقوق بين الجلاد والضحية لأنها خلاف العقل والمنطق.

إن حزب البعث في العراق يمارس بقوة دورا إرهابيا، ويقوم باجتماعات دورية متواصلة في مناطق متعددة من العراق الآن، وبخاصة في المناطق الغربية وفي الموصل وديالى والوسط والجنوب من خلال سياسة الترهيب والترغيب، وهو يريد ويسعى للعودة إلى السلطة من خلال ممارسة العنف لأنه لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة فكيف لا يكون حزبا إرهابيا؟

* خبير قانوني وأكاديمي عراقي