كرسي الفقيه!

TT

لم ترهق الرجل العبقري غازي القصيبي مهمة بقدر ما أرهقته وزارة العمل، إذ جلبت عليه جفوة «البازار»، وعتب العاطلين، وكانت المرة الأولى التي يضطر فيها الرجل إلى أن يمسك عصاه السحرية من المنتصف، واليوم يأتي المهندس عادل فقيه ليجلس على هذا الكرسي الساخن جدا، خلفا لذلك الوزير العظيم، ومن مسؤولياته أن يحل لغز بطالة المواطنين في بلد يستقدم ملايين الوافدين، وللرجل خبراته الناجحة في القطاع الخاص، وتجربته الصعبة في أمانة جدة، يوم كشفت السيول مستور المدينة، وتراكمات أخطاء الأعوام، فتعامل مع إدارة الأزمة بصبر، وجلد، ومسؤولية، واليوم - بانتقاله إلى وزارة العمل - تتسع دائرة مسؤولياته من نطاق مدينة إلى خارطة الوطن، والنجاح في هذه الوزارة سيفتح بيوتا، ويسعد أسرا، ويحول حياة الآلاف من العاطلين إلى حياة كريمة منتجة، وقد تمد الرجل خلفياته في القطاع الخاص بمفاتيح إقناع «البازار» لتسريع عمليات توطين الوظائف، قبل أن تكبر كرة الثلج بتراكم الخريجين من الداخل والخارج، فالرجل يعلم أسرار القطاع الخاص، وذرائعه، ولا أعتقد أن القطاع هذه المرة سيحاول أن «يبيع الماء في حارة السقائين».

أما بخصوص القادم الجديد إلى كرسي أمانة جدة، المهندس هاني أبو رأس، فيدفعني للكتابة عنه اليوم الأمل في أن يتمكن من أن يعيد إلى جهاز الأمانة الثقة في ذاته، بعد أن أرخت كارثة السيول بهمومها وتبعاتها على سيكولوجية العاملين في هذا الجهاز، وهم في حاجة اليوم إلى قيادة جديدة محفزة على بدء صفحة جديدة، قادرة على تلافي السلبيات، وتعزيز الإيجابيات؛ فمدينة جدة تستحق أن تستعيد أسبقيتها في التحديث، والانطلاقة، والتأنق، التي بدأتها في عقد السبعينات من القرن الماضي، حين وصفها الأديب الكبير أحمد السباعي بقوله: «إن جدة سباقة إلى كل جديد، جريئة في اصطناع كل موضة»، لكن هبت على جدة بعد ذلك الكثير من الحظوظ العواثر، ولم يعد يسمع صهيلها في المقدمة.

الشيء المحير في مدينة جدة أن كل أمين يأتي إليها ينقض خطط ودراسات سلفه ولا يبني عليها، ويبدأ في وضع خطط وبرامج جديدة، لم يمهل الزمن جلهم لتنفيذها، فهل يكسر المهندس أبو رأس هذا التقليد، ويبدأ من حيث انتهى الآخرون، وخاصة أن سلفه قد ترك خلفه من الخطط والبرامج والدراسات ما يكفي المدينة لمائة سنة قادمة؟!

[email protected]