الاستقلال الصعب

TT

بعد خروجه من 10 داوننغ ستريت، عُين المستر توني بلير مبعوثا أو موفدا أو مفوضا في مسألة الحل الفلسطيني. من عينه يومها؟ لا أذكر. ما هي صلاحياته؟ لا أذكر. هل هو تابع للأمم المتحدة أم لسواها؟ لا أذكر. الحقيقة، لم أجد في نفسي أي فضول لأن اقرأ التفاصيل. وذلك لأسباب كثيرة، منها أن من كان في عمري قرأ وسمع وشاهد، على مدى السنين، مبعوثين كثيرين، جاءوا وجالوا، والتقطوا الصور التذكارية، والتقطوا الرواتب والمخصصات، ومضوا.. بعضهم كان جديا وصادقا، وبعضهم كان يعرف سلفا أنه يحرث في المياه، لكن لا بد من وظيفة وما يلحقها من مكانات.

سبب آخر، أنني كرجل عاش في لندن نحو ربع قرن، تكونت لدي مشاعر شخصية مثل بقية البشر. كنت معجبا بمارغريت ثاتشر وأحترم جون ميجور، اللذين باشرا رحلة الذروة في نقطة مذهلة التواضع: هي ابنة بقال في فينشلي، وهو ابن مهرج بائس في سيرك بائس في ضاحية بريكستون الفائقة البؤس. أما المستر بلير، العمالي القادم من وسط ميسور، فقد قرأنا أنه نشأ تنشئة صهيونية معروفة. وما إن خرج من الحكم حتى أعلن اعتناق الكثلكة. وهي مسألة لا تعني الكثير أو القليل، سوى أن ثمة عنصرا غير مستقر في حياة المستر بلير.

سافر المستر بلير، بعد تسميته مبعوثا أو مفوضا، إلى المنطقة، وفقع بعض التصريحات، وذهب إلى حيث ذهب من سبقه من الوسطاء.. إلى النسيان. ولم يكن الأمر مهما، لا عندما جاء ولا عندما ذهب. فقد تبين أنه كان منهمكا بصورة رئيسية في إعطاء المشورة للجماهيرية العظمى، ربما بسبب حماسه المنقطع النظير للقضية الفلسطينية.

يخطر لي أن الدور الوحيد الذي كان يمكن للمستر بلير القيام به، إذا كان جديا في مهمته الشرق أوسطية، أن يقنع أصدقاءه في البيت الأبيض بأنه قد آن للولايات المتحدة أن تعلن استقلالها. ليس ذلك الاستقلال الذي تحتفل به في الرابع من يوليو (تموز)، بل الاستقلال عن الاستعمار الإسرائيلي. لقد كانت حرب الأميركيين على الإنجليز عملية سهلة نسبيا، لكن الحرب التي لم تربحها ولم تبدأها بعد هي حرب الاستقلال عن السطوة الإسرائيلية.

يروي إدوارد دجيريجيان، سفير أميركا السابق لدى سورية وإسرائيل، أن غولدا مائير شكت مرة إلى سفير الولايات المتحدة والي باربور بأن بلاده لم تعد تعامل إسرائيل كما كانت تعاملها من قبل. ثم استدركت «على كل حال نحن دولة مستقلة»! ورد السفير الأميركي «سيدتي رئيسة الوزراء، كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف باستقلال إسرائيل، والسؤال الذي أطرحه هو: هل تعترف إسرائيل باستقلال الولايات المتحدة؟».