من قتل الديمقراطية في إيران؟

TT

وافق الخميس الماضي الذكرى السنوية لأحد أكبر الأحداث الأسطورية في التاريخ، إنه انقلاب عام 1953 في إيران الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق. وأثار انخراط وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في هذا الحدث لفترة طويلة اعتذارات من السياسيين الأميركيين واستنكارات من نظام الحكم الديني. تكمن المشكلة في القصة السائدة.. كان دور وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في رحيل مصدق عن عالم السلطة غير مهم إلى حد كبير. وكانت المؤسسة التي تتحمل أكبر قدر من مسؤولية إجهاض الفترة الديمقراطية في إيران هي السلطة الدينية، ولا ينبغي أن تكون الجمهورية الإسلامية قادرة على تبرئة رجال الدين من الذنب.

وتم حكاية القصة الدرامية لتخطيط الأميركيين الحاقدين الانقلاب ضد مصدق، المشهورة باسم «عملية أجاكس»، بصورة كبيرة بحيث أصبحت حقيقة. ولكي أكون منصفا، فإن مجموعة الشخصيات كانت محيرة: كيرميت روزفلت، وهو سليل أسرة سياسية مشهورة في أميركا، استأجر بلطجية لإثارة القلاقل ضد مصدق.. دعم العملاء الأميركيون ملكا لا يتسم بالحزم للعودة من المنفى واستعادة عرشه، شارك مثيرو الفتن الشيوعيون والقوميون في مظاهرات مولتها الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي انتقلت فيه إيران من أزمة إلى أخرى، استمرت القصة.. حث روزفلت مجموعة من الضباط المعارضين على إنهاء فترة الحكم الديمقراطية لمصدق، التي كانت قصيرة لكن مهمة للغاية.

ومع ذلك، تخفي هذه القصة الكثير بشأن المسار الفعلي للأحداث. ففي عام 1953، كانت إيران في خضم أزمة اقتصادية. وكان هناك حظر مفروض على النفط بعدما قامت طهران بتأميم الشركة البريطانية - الإيرانية للنفط، وبحلول فصل الصيف من ذلك العام، أدى هذا الوضع إلى تمزيق الائتلاف الحاكم لمصدق. وبدأ الإيرانيون من الطبقة الوسطى الذين يشعرون بالقلق بشأن مواردهم المالية في التخلي عن مصدق. وبالمثل، كانت طبقة التجار تشعر بالقلق من العواقب المالية المترتبة على عناد مصدق وعدم رغبته في حل هذا المأزق مع البريطانيين. وكانت طبقة المثقفين والمهنيين حذرة من النزعات الاستبدادية المتزايدة لرئيس الوزراء. وأخذت الشائعات حول الانقلابات العسكرية في الانتشار في الوقت الذي أعرب فيه أعضاء القوات المسلحة عن شعورهم بالإحباط من رئيس الوزراء وبدأوا يشاركون في المؤامرات السياسية.

وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في هذه الآونة تسعى في الحقيقة بنشاط إلى الإطاحة بمصدق. أجرت اتصالات في ربيع العام نفسه مع الشاه وضباط إيرانيين، بمن فيهم الجنرال فاز الله زاهيدي، وهو ضابط انتهازي سعى إلى رئاسة الوزراء. ووضع روزفلت خطة، أصدر الشاه وفقا لها قرارا ملكيا يعزل مصدق من منصبه، وكان من المقرر تسليمه إليه في 15 أغسطس (آب). بيد أن القائد العسكري الذي كان من المقرر تسليمه الرسالة تم القبض عليه، وكشفت المؤامرة بسرعة.وعند هذه النقطة يحدث تغير في القصة. ففي الوقت الذي انتشرت فيه الشائعات حول محاولة الانقلاب، هرب الشاه من إيران واختبأ زاهيدي. وبصورة مثيرة للدهشة، أشارت السجلات الأميركية التي تم الكشف عنها خلال العقد الماضي إلى أن الولايات المتحدة لم يكن لديها خطة بديلة. وكانت واشنطن مستعدة إلى حد كبير للتنازل. وأقرت برقيات وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات بانهيار جهودهم التخريبية.

ولكن في حين كان الأميركيون، الذين شعروا بخيبة أمل، مستعدين لخسارة مهمتهم، واصلت القوات المسلحة الإيرانية ورجال الدين مهمتهم في عزل مصدق. وكان رد فعل رجال الدين على الأزمة القومية المتطورة دوما أحد المخاوف والشكوك. لقد كان رجال الدين دوما معارضين ميل السياسيين العلمانيين للحداثة، مثل مصدق، وسعيهم إلى الحكم الجمهوري والتحرير. وفضل رجال الدين كثيرا احترام الشاه المحافظ، والمتردد، للمشروع العلماني لمصدق. وبعد محاولة الانقلاب، أعطى رجال الدين الأجلاء في قم مصادقتهم الضمنية لرئيس البرلمان آية الله الكاشاني. ومن خلال اتصالاتهم مع السوق وقدرتهم على إثارة الجماهير، كانوا ذوي أثر كبير في تنظيم المظاهرات التي انتشرت في أرجاء طهران. وكان مصدق بالفعل معزولا. وفي الوقت الذي مالت فيه الاحتجاجات في الشوارع تجاه الشاه، تدخل الجيش وعزل مصدق من منصبه. وبعد أيام قليلة من فشل محاولة الانقلاب التي خططتها وكالة الاستخبارات الأميركية، عاد الشاه إلى إيران وسط احتفال وطني.

ومن خلال كل هذا، كان روزفلت والمتآمرون معه مراقبين مندهشين أكثر من كونهم محرضين نشطين. وكانت أهم مشاركة لروزفلت في التاريخ الإيراني هي نشر تقرير منمق عن إخفاقاته بعد الانقلاب بأكثر من عقدين. وحدد هذا التقرير المعيب النقاش وسيطر على الخيال الشعبي، على الرغم من أن واشنطن في الحقيقة فوجئت بشأن كيفية الرد على الأحداث في طهران. وكتب الرئيس دوايت أيزنهاور في يومياته بعد شهادة روزفلت: «لقد استمعت إلى تقريره المفصل، وبدا وكأنه رواية رخيصة أكثر من كونه حقيقة تاريخية!».

لدى السياسيين الأميركيين ميل للاعتراف بالذنب والاعتذار عن الأخطاء السابقة. بيد أن مسؤولية وأد الطموحات الديمقراطية للشعب الإيراني في صيف عام 1953 يتحملها في المقام الأول الذين تحركوا لسحق حركة ديمقراطية أخرى في صيف 2009، ألا وهم رجال الدين. وهؤلاء هم من ينبغي لهم الاعتذار للشعب الإيراني.

* باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية

* خدمة «واشنطن بوست»