الكراسي الساخنة!

TT

أعلنت السعودية عن اختيار المهندس عادل فقيه وزيرا للعمل خلفا للراحل غازي القصيبي، واختيار هاني أبو رأس ليكون أمينا لمدينة جدة خلفا لعادل فقيه. واختيار عادل فقيه هو اختيار موفق، حيث ان الرجل يأتي من تجربة مهمة جدا عندما كان رئيسا لمجلس إدارة والمسؤول التنفيذي الأول لشركة «صافولا»، وهي أكبر شركة غذائية ومحلات للتجزئة في السعودية والعالم العربي، وشهدت معه الشركة تحقيقها لنجاحات مذهلة سواء في نواحي النمو والتطوير القطاعي أو الأرباح والتخطيط، فقد أسهم برؤيته في تحويل «صافولا» من شركة المنتج الواحد وتحديدا زيت الطعام إلى تعددية في الإنتاج لمنتجات ناجحة ومتنوعة، وسياسة استحواذ جغرافية وقطاعية وسعت عناصر المخاطرة وأبعدتها لكي لا تحصر نفسها في خانة واحدة فقط، والأرقام والإنجازات المبهرة له في «صافولا» تتحدث عن نفسها، وانتقل بعدها إلى أمانة محافظة جدة ليعيد هيكلة القطاع الإداري فيها ويطور الأعمال بشكل مختلف، ليحول مدينة جدة إلى أكبر ورشة عمل في مجالات الكباري والأنفاق وترصيف وسفلتة الشوارع والتخطيط الجديد لمناطق عشوائية مدمرة.. كل ذلك حدث للمدينة بعد سنوات من التخبط الإداري والجفاف في المشاريع التطويرية.

ووزارة العمل وزارة مهمة وملفها الأساسي ليس سهلا. فهي وزارة لها علاقة بتهيئة سبل العيش الكريم لأبناء وبنات السعودية، وبأسلوب عادل لا يُضَر فيه الشباب، ولا يكون هناك ظلم على الشركات والمؤسسات. والملف الأخطر الذي يعني وزارة العمل هو ملف البطالة الذي ترتفع المعدلات فيه بشكل مقلق. لكن تحميل وزارة العمل وحدها مشكلة البطالة وحل كل معضلاتها هو قصور في التعاطي مع هذه المسألة الخطيرة، وعدم تقدير لكل أوجهها. فالبطالة وحلها أو على الأقل المساهمة في تحسين ظروفها مسؤولية مشتركة ترتبط بتحسين ظروف التمويل من الهيئات والمؤسسات المالية لصالح الشركات ورجال الأعمال، وتعتمد على عدم الاعتماد على سياسات «الأقل سعرا» في المناقصات المتعلقة بالصيانة والتشغيل والمقاولات، وهي قطاعات توظف عشرات الآلاف من غير السعوديين، وبالتالي ستكون هذه الوظائف دوما من نصيب دول العالم الثالث الآسيوي، وذلك لقلة وضعف مرتباتهم مقارنة مع الحدود الدنيا مما يمكن قبوله من قبل العامل السعودي. وللملف هذا ايضا علاقة بتطوير التعليم وتحسين التدريب حتى يصبح الخريج التعليمي «جاهزا» للدخول بشكل سليم لسوق العمل. وقدوم عادل فقيه من بيئة الأعمال والشركات سيجعله قادرا على تفهم التحديات التي تواجه القطاع الخاص السعودي بخصوص التوظيف المحلي، خصوصا أنه يجيء من شركة عملاقة تمكنت من إنجاز نسب سعودة هائلة في قطاعات متنوعة بنجاح وتميز ومثابرة.

هناك الكثير من النقاط والمواضيع التي سيواجهها عادل فقيه في وزارة العمل. نقاط معلقة لكنها حيوية، مثل موضوع حسم الحدود الدنيا للأجور الذي لا يزال معلقا وتائها بين شد وجذب، وكذلك مسألة توظيف المرأة في محال بيع المستلزمات النسائية (وهي خطوة بدأت فيها «صافولا» أيضا)، وطبعا يبقى موضوع معروف ومثير وهو موضوع التأشيرات المسموحة والسوداء في سوق العمل والتي ساهمت بشكل مباشر في خلخلة سوية العرض والطلب في سوق التأشيرات وحولتها إلى ساحات للاستفادة، وكل الأمل أن يتم التعامل مع هذه المسألة بحسم مثلما تم التعامل في جدة مع مسألة التعدي على الأراضي والممتلكات.

من كرسي ساخن كأمين لمحافظة جدة، إلى كرسي ساخن كوزير للعمل، ينتقل عادل فقيه محملا بقناعات كبيرة من جمهور عريض من الناس مؤمنين بمقدرته الإدارية التي تدعمها نجاحات حقيقية، وهم يعرفون أن نجاحه في وزارة العمل وقدرته على إعادة جسور الثقة بين القطاع الاقتصادي والوزارة هو نجاح مهم سيكون نقطة تحول وبداية جديدة تستحق الإشادة.

هاني أبو رأس يأتي أيضا على رأس كرسي ساخن جدا لا يرحم أبدا. أمين جدة مهمة صعبة، فهو سيكون على رأس قطاع خدمي لمدينة هي واجهة الحرمين الشريفين، أصابها الاهتراء والإهمال والتسيب بالخطأ والتعمد، وعانت من التخبط الإداري، وآن الأوان لأن يكون هناك استقرار وثبات لوضعها خصوصا في ظل وجود دعم رسمي كبير وعالي المستوى.

كل التوفيق نتمناه للمسؤولين الجديدين، والعبرة ستكون بالنتائج.

[email protected]