جدة.. أحلام بائع الفخار!

TT

جل الأمناء الذين جاءوا إلى جدة تكلموا كثيرا، وأتخموا صفحات الجرائد بالحديث عن خطط ومشاريع وأحلام، لم يتحقق شيء منها، ولم يخلفوا عند رحيلهم سوى قبض الريح. وبين أمين وأمين، ظلت المدينة تمارس أحلام بائع الفخار، واليوم نحن على موعد جديد مع أمين جديد، وليعذرنا الأمين القادم المهندس هاني أبو رأس إن اقتصدنا في استقباله في إطلاق فراشات الكلام، فتجاربنا السابقة لم تعد تغري على الإيغال في الحلم، ربما لنحافظ على ما تبقى من الفخار.

ولو كنت قريبا من الأمين القادم لأوصيته أن يقتصد هو أيضا في الوعود، فثمة حظوظ عواثر تعاند هذه المدينة، ووعود أمنائها، في الوقت الذي أتمنى فيه أن يحالفه التوفيق، ويتعامل مع جدة كوحدة واحدة، فجل الذين قبله من الأمناء جعلوا المسافة بين شمال المدينة وجنوبها بضعة كيلومترات، وعشرات السنين؛ فثمة أحياء في الجنوب والشرق سقطت من ذاكرة المدينة وأمنائها منذ سنوات بعيدة، وغدت جدة مهلهلة الأطراف، غريبة الملامح.. فجدة ليست الكورنيش، والحمراء، وأحياء الخمسة نجوم فحسب، ولكنها أيضا الهنداوية، والكرنتينة، وغليل، والسبيل، وقويزة، والحرازات، وبريمان، وأحياء أخرى، ربما لم يسمع بها أو يشاهدها كثيرون من قيادات الأمانة.. جدة اليوم في حاجة إلى من يجفف شوارعها من المستنقعات، وأطرافها من العشوائيات، وقلبها من الإهمال والتجاهل.. وأمانتها في حاجة إلى الإحساس بالزمن، حيث لا يعقل أن تفكر بعض الأمانات في رخصة اليوم الواحد، بينما تتطلب رخصة البناء في جدة شهورا طويلة.

جدة في حاجة لمن يهتم بقلبها التاريخي الذي التهمته الحرائق، و«التراكتورات»، والخطط الورقية، وهوامير الأبراج الإسمنتية.. جدة في حاجة إلى أن تتصالح مع المطر، لكيلا تخاف من الغيوم، خشية الغرق.. جدة في حاجة إلى إصلاح ذات البين، لتعود إلى عصمة البحر بعد أن فرقت بينهما الأسوار، والأبراج، والأطماع.. جدة في حاجة إلى الانعتاق من سجن الزحام؛ فشوارعها - علب السردين - ضاقت بمركباتها، وغدت الحركة فيها ضربا من المعاناة اليومية، التي يعيشها ملايين السكان.

وباختصار: جدة في حاجة إلى العودة إلى مضمار السباق مع غيرها من المدن، بعد أن ظلت طويلا على مقاعد المتفرجين، فهل تعود جدة ذات يوم، أو ذات «أمين» إلى مكانها في المقدمة؟

[email protected]