مطالعتان دون لكمات

TT

استضافت الزميلة عزة مصطفى على قناة «المصرية» اثنين من كبار كتاب وصحافيي مصر: صلاح عيسى وعلي سالم، في نقاش حول ما يعرف بالتطبيع. الموضوع قديم. ومواقف الرجلين معروفة منذ إثارة المسألة: عيسى يمثل اليسار الرافض لكل وجوه وأشكال التطبيع، وعلي سالم يمثل طليعة الداعين إلى إقامة سلم «حقيقي». عيسى يطلب السلم من خلال المواجهة، وسالم يقول إذا كانت الحرب تقوم من أجل السلم فلماذا لا نذهب إلى السلم مباشرة.

ما الجديد في المساجلة إذن؟

جديدان: الأول أن متناقشين عربيين تجادلا من دون لكمة واحدة، ومن دون تهمة شخصية واحدة، ومن دون أن يهدد أحدهما الآخر بالضرب أو بالانسحاب من اللقاء، وخصوصا من دون أن يمنح أحدهما الآخر تلك الابتسامة الساخرة التي يستخدمها ضيوف التلفزيونات العربية لتأكيد التفوق وامتلاك الحقيقة المطلقة والشرف الرفيع.

الجديد الثاني: قول علي سالم في معرض الحديث عن المثقفين، إن هؤلاء ليسوا فقط النخبة والأساتذة والكتاب، بل هناك أيضا مجموعة من المهندسين والأطباء والمقاولين وسواهم من أفراد المجتمع المدني. وهذه أول مرة أسمع فيها بإلغاء الاحتكار الثقافي في العالم العربي. وأول مرة يسمح فيها السادة الكتاب والمعلقون والمحللون، بضم فريق كبير من الناس إلى صفوفهم. ثمة نسبة كبيرة من هؤلاء الناس، تعرف أكثر مما يعرف الكتاب، وتقرأ أكثر مما يقرأون، وتدرك أكثر بكثير مما يدركون، وتؤثر بين المسؤولين أكثر مما يؤثرون. لكننا تعودنا النظر إليهم كرجال مال فقط. وبما أن الفقير يكره المال عند سواه، فإن أكثر الناس تكن لهم الاحتقار وتحذر منهم وتحذرهم وترفض إعادة النظر في موقفها منهم.

ولو كنت مشاركا في تلك الحلقة، لأضفت ملاحظة بسيطة. ليس العرب وحدهم من وقف ضد التطبيع. لم يقتل أنور السادات وحده بسبب التطبيع. قتل الإسرائيليون إسحق رابين لأنه قال لهم «الذين يتحدثون عن سلام مع سورية من دون الجولان، يضحكون عليكم. هذا هراء». ولأنه قال لهم: «نود ألا تفقد أم إسرائيلية أبناء لها تبكيهم، تماما مثل الأم الفلسطينية التي نريد منها التوقف عن البكاء والتحسر».

قتل الإسرائيليون إسحق رابين وانتخبوا بنيامين نتنياهو. وتقبلت أرملته التعزية من ياسر عرفات لكنها رفضت استقبال نتنياهو حتى لتقديم التعزية. قتلوه لأنه قال لهم الحقيقة: «لم ير جيراننا متعة الفرح والحرية يوما واحدا!» والحقيقة الوحيدة عند الإسرائيليين أن الضحية الوحيدة هم!