إن صاحبكم لا يعرف!

TT

كثيرا ما نجلس نتذكر أساتذتنا المصريين أو الأجانب؛ ماذا كان منهم. ماذا قالوا. وقلنا. وكيف أضحكونا وأضحكناهم. وكنا نقول: إنه إذا سأل أحدنا الأستاذ العقاد ولم يعجبه السؤال كان رده عنيفا خشنا وأحيانا خارجا فنسكت ونأسف. وطه حسين لأنه مهذب وأستاذ لطيف وأب فإنه يحاول أن يذهب بالسائل والسؤال إلى ما لم يكن يخطر على باله. لا يجيب ويبكت. أما توفيق الحكيم فينتهزها فرصة وينظر إلى السقف ثم إلى الأرض مارا بنا دون أن يرانا ثم لا يرد. ونضحك ونسكت.

وتذكرنا أننا في يوم ذهبنا إلى طه حسين مع صديق من اليمن. أديب. وله ممارسات شعرية. ولم يكن معروفا. فقدمناه إلى طه حسين ورحب به وسأله عن حال الشعر والأدب في اليمن. فاعتذر بأنه عاش طول عمره في أميركا. وكان رد طه حسين أن المستشرقين يعرفون من أدب اليمن الكثير - أي أن الذين في الخارج يعرفون من الشعر أكثر من أبنائه.

ولا أذكر الآن كيف قد خرج بنا الكلام، أو بالأخ اليمني، إلى الحديث عن المعلقات. وقال المعلقات الخمس. ورفع طه حسين رأسه ساخرا، لقد انتقصتم اثنتين، وفي رأيي ثلاثا يا سيدي. فهل تذكرها. لا يذكرها. وهذا ملعب طه حسين. فراح يذكرها قائلا:

المعلقة الأولى لامرئ القيس. مطلعها:

قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

المعلقة الثاني لطرفه بن العبد. مطلعها:

لخولة أطلال ببرقة ثهمد

تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

والمعلقة الثالثة لزهير بن سلمى:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

بحومانة الدراج فالمتثلم

وهناك تاسعة وعاشرة. وكان طه حسين سعيدا بما يقول وكنا نحن أيضا.

ويبدو أنه نسي أن صديقنا اليمني كان من رأيه أن في الشعر الحديث ما يمكن أن نعلقه قصائد لشعراء معاصرين.. فمنعه طه حسين من ذكر أسمائهم. وكأنما أراد أن يحتفي بالسائل والسؤال فقال كلمة واحدة وتركنا نضحك ونحتار في تفسيرها. قال: إن صاحبكم لا يعرف.. هاها!