في رمضان.. أين هي قصة الإسلام والمسلمين؟

TT

الضجة التي أثارتها الصور التي نشرتها الجندية الإسرائيلية إيدن أبيرغيل وهي تتباهى كجلادة لسجناء من المدنيين الفلسطينيين المقيدين والمعصوبة أعينهم، تذكّر مرة أخرى أن نوعا جديدا من الحروب الغربية بدأ يحتل مكانه ضد شعوبنا المسلمة إلى جانب الحروب التقليدية المعروفة منذ شنت أوروبا حروبها لاحتلال فلسطين باسم العودة «للأرض المقدسة» وحتى تاريخ الاحتلال الاستيطاني باسم العودة إلى «أرض الميعاد». ففي عنوان إحدى المقالات عن الموضوع نقرأ: «صور لجندية إسرائيلية سابقة، ثقافة الشباب وقواعد الحرب في صدام» (كريستيان ساينس مونيتور 17 أغسطس «آب» 2010) بقلم دان ميرفي. وفي عنوان فرعي توضيحي يتم التأكيد على أن صور الجندية أبيرغيل على صفحتها الإلكترونية مع سجناء فلسطينيين خرقت قواعد الجيش الإسرائيلي والقواعد الدولية التي تحكم تصوير المعتقلين. الجندية أبيرغيل لم تعرف ما هو وجه الخطأ في نشر صور «تذكارية» أخذتها، كعادة جنود الاحتلال، مع المعتقلين من المدنيين الفلسطينيين وهم مقيدون ومعصوبو الأعين. أما دوائر الحرب العالمية فقد وجدت في هذا «الحادث» تذكيرا «بالصعوبة التي تواجهها جيوش العالم (الغربي والمعتدي دوما) للتحكم بتدفق الصور والمعلومات في عصر الـ(يوتيوب)، والـ(ويكيليكس)، والكاميرات الرقمية». و«الحادثة» هذه تذكير بفضيحة نشر صور تعذيب المدنيين العراقيين على يد جنود «الديمقراطية الأميركية» في أبو غريب وغوانتانامو وعشرات السجون السرية التي يمارس فيها جلادو «العالم الحر» شتى أنواع التعذيب ضد الأبرياء المختطفين «المشتبه» بهم. ومؤخرا تسريب الـ«ويكيبيديا» لآلاف الوثائق عن جرائم الإبادة التي تمارسها قوات الناتو ضد المدنيين العزل في أفغانستان وتبعات ذلك على القرارات التي يتخذها كل من البنتاغون والبيت الأبيض والكونغرس.

نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية افتتاحية بعنوان «حرب الويكيبيديا» (18 أغسطس 2010) حيث قررت مجموعتان صهيونيتان إقامة دورات تدريبية لتحرير النصوص في الـ«ويكيبيديا»، «بهدف إظهار الجانب الآخر من الحدود والثقافة»، أي أن الجانب الإسرائيلي كعادته يريد التحكم بأخبار جرائم التعذيب والاغتيال والقمع الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين كي يتعذر على العالم حتى استشفاف حقيقة ما ترتكبه إسرائيل في فلسطين من تطهير عرقي، وتهجير قسري، وهدم منازل المدنيين، وقتل، وتعذيب، وإذلال السكان الأصليين. ذلك لأن فضاء المعلومات المنفتح، ورغم محاولة الصهاينة الإمساك بزمامه، بدأ يفضح جرائم الكيان الصهيوني ضد الإنسانية في فلسطين.

نشرت جريدة «هآرتس» الإسرائيلية في 19 أغسطس 2010 نتائج استطلاع للرأي يرى أن نصف الأميركيين اليوم يعتقدون أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو غير ملتزم بالسلام، وأن موقع إسرائيل في ألمانيا وفرنسا والسويد آخذ بالانحدار. كما أن نتائج استطلاع مؤسسة الزعبي في جامعة ميريلاند قد دفعت مراكز الأبحاث الأميركية للتفكير والقلق على مستقبل منطقة ما زال البعض لديهم وهم بأنهم يمسكون بزمام الأمور فيها وقادرون على تحريك دفة المستقبل. وفي تحليل لهذه النتائج يقول هيربرت لندن في مقال: ماذا نفكر وماذا يعتقد العرب (18 أغسطس 2010)، إنه «رغم المساعدات والاسترضاء الدبلوماسي ومحاولات التفهم الثقافي، فإن الكراهية لإسرائيل والغرب على أشدها. والأرقام ترى أن الظروف ليست آخذة في التحسن. هناك نقص في التعاطف مع الديمقراطية والليبرالية وجاذبية متصاعدة للتيارات الإسلامية لدى مقارنتها مع تيار القومية العربية».

لندن وأمثاله لا يحاولون أن يقرأوا مثلا ما نقرأه نحن عن المرتزقة الأميركيين الذين يرتكبون جرائم القتل والتعذيب باسم «المتعاقدين» في أفغانستان والعراق (جريدة «الغارديان» 16 أغسطس 2010) التي ترى أن هناك أكثر من 112 ألف مرتزق (متعاقد) يعمل مع الجيش الأميركي حاليا في أفغانستان، وأكثر من 95 ألف متعاقد (مرتزق) في العراق، وهؤلاء من صنف جلادي شركة «بلاك ووتر» سيئة الصيت التي كشفت عن فضائح التعذيب «الديمقراطية» و«الليبرالية» في سجن أبو غريب في العراق.

إن الوجه الإيجابي للثورة الإعلامية والرقمية اليوم، هو أنه أصبح من الصعب جدا على الحكومات إخفاء الحقائق عن حروبها الوحشية، وعن جرائم التعذيب مهما كانت سرية، وأخذ التسريب يقلق ضباط جيوش الاحتلال الذين يتحكمون بهذه الجرائم. ولذلك يسعى دعاة «الديمقراطية» و«الليبرالية» هؤلاء إلى وقف تسرب أو تدفق المعلومات، أو محاولة «تحرير» هذه المعلومات، أي إعطاء الوجه «المقبول» الذي يريدونه منها، وإخفاء الوجه الوحشي الذي لا يرغبون بإظهاره. وتدل نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة الزعبي، على أن شعوبنا لم تعد تأخذ بالترويج «للديمقراطية» الغربية، أو تؤمن بالشعارات المزيفة التي يروج لها الغزاة لإحكام قبضتهم على ثرواتنا. ولكن هذا التحول يمكن أن يكون أسرع وأكثر كفاءة لو أن الجانب العربي والمسلم دخل هذا المجال، أي خوض هذه الحرب المعرفية بتخطيط وتصميم واقتدار. فالحرب الدائرة اليوم هي بين قوى القمع والقتل والتعذيب والاستيطان الصهيونية وحلفائها في الغرب، وبين أصحاب الضمائر الحرة في الغرب نفسه الذين يحاولون إلقاء أضواء على حقائق ما يجري من جرائم باسمهم في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من بلاد الإسلام.

وإذا أخذنا هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان الكريم، مثالا على هذا التحدي، فإننا نرى أن الخطابات المنمقة التي يطلقها قادة الغرب في هذا الشهر تهدف إلى إخفاء حقيقة نظرتهم العنصرية للمسلمين وتشويه صورتهم ودينهم وقرآنهم ومعتقداتهم. ولا يملك المرء إلا أن يستشيط غضبا وهو يقرأ النص الذي أصدره رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، وهو المعروف بتطرفه العنصري وبوحشية إجراءاته القمعية ضد المدنيين، حين قال: «يبدأ هذا الشهر الهام وسط محاولات لإنجاز مباحثات سلام مع الفلسطينيين وتعزيز واقع السلام مع جيراننا العرب». الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته، أرسلا «تحية» إلى العالم الإسلامي حيث قال أوباما، وهو رئيس دولة ما زالت جيوشها ومرتزقتها تشن الحروب في أرجاء منطقتنا وترتكب جرائم قتل المدنيين ودعم الإرهاب الإسرائيلي، إن رمضان يذكره «بالمبدأ المشترك بيننا وبدور الإسلام في تعزيز العدالة والتقدم والعيش المشترك وكرامة كل البشر».

أولم يرسل ديننا مبشرين بالإسلام في عصر كانت الاتصالات به في غاية الصعوبة بحيث أشرقت شمس الإسلام من مكة إلى أرجاء المعمورة، فماذا بنا اليوم في العصر الرقمي والمعلوماتي نصمت عن احتلال عنصري بغيض يدنس المقابر، ويهدم المنازل، ويزيل القرى بأكملها، ويدهس الأطفال، ويعتقل النساء ويشرد الأسر، ويجرف الأراضي، ويقطع أشجار الزيتون، وينهب المياه ويزور التراث.

أين هي الأقلام العربية والمسلمة، التي من واجبها اليوم تشكيل مرجعية معلوماتية عما يجري بحيث لا نسمح لحفنة من الصهاينة إدارة حرب المعلومات والتغطية على جرائمهم، بينما يقبع أهلونا وإخوتنا وأحباؤنا في سجون مهينة لاحتلال بغيض. في هذا الشهر الكريم من واجب المسلمين جميعا ليس التفكير في الفقراء والمحتاجين فقط، بل الجهاد بالكلمة الحرة، والمعلومة الصحيحة، والصورة، لرفع الظلم المعيب عن أهلنا في فلسطين وغيرها.