قضية غراوند زيرو

TT

سيكون من الصعب على المرء تملق الرئيس أوباما هذه الأيام، فقد أدلى بطلكم بخطاب في رمضان يدعم فيه بشكل كامل بناء مسجد ومركز إسلامي بالقرب من غراوند زيرو (موقع حطام مركز التجارة العالمي). ربما يجعلك ذلك تشعر برغبة قوية في التصريح بأن هذه هي أفضل أوقات الرئيس أوباما، وأن تصرفه هذا ينم عن قدر كبير من الشجاعة.

لكن للأسف، ففي اليوم التالي وعلى بعد 800 ميل، قال الرئيس أوباما إنه كان يتحدث عن قانونية المسجد لا عن الحكمة من بنائه، التي لم ولن يبني عليها أي حكم على الإطلاق.

لقد ترككم الرئيس الآن تبدون كالحمقى، لأنه بذلك لم يقل شيئا محددا، فلا أحد يعترض على الحق في البناء، والنزاع بأكمله على العقار وأخلاقية القيام بذلك.

ربما لا يكون من الشجاعة بأي حال من الأحوال الاستمتاع بثناء جماهير المسلمين وأنت تعد بمساندة حقهم في بناء المسجد بقوة معطيا انطباعا لا يخطئ بأنك تؤيد الفكرة. ما كان يتطلب الشجاعة حينها أن تطلب باحترام من هذا الجمهور أن يفكر مليا في حكمة المشروع وأن يعيد النظر فيما إذا كان الهدف المزعوم للإمام من التفاهم المشترك بين الأديان قد لا يتم إنجازه بصورة أفضل عبر عرض عمدة مدينة نيويورك المساعدة في إيجاد موقع آخر.

بيد أنه حينما تراجع الرئيس تقدم المفكرون الليبراليون بحمية بالغة وكتبوا عشرات المقالات المناصرة للمسجد التي اتسمت بإجماع محموم، وقليل من الميل إلى النقاش وصعوبة خاصة في التعامل بالقياس.

مايكل كنسلي في صحيفة «أتلانتك» كان متميزا في الاحتجاج بأن الأسس الوحيدة الممكنة لمعارضة بناء مسجد بالقرب من موقع حطام مركز التجارة العالمي هي التعصب الأعمى والغوغائية. لكن، ماذا عن أمر البابا يوحنا بولس الثاني بإغلاق دير كارمليتي الواقع خارج أوشفيتز؟ (من المؤكد أنه ما من أحد بريئا من هذه الجريمة سوى الراهبات الملتزمات). كيف فسر كينسلي هذا الشعور الواضح بالتأثر، وعدم الصلاة في مكان كان معسكرا للاعتقال النازي لليهود؟ إنه حتى لم يعمد إلى التحليل، فأكد ببساطة على أن القرار شيء «أعترف أنني لم أفهمه قط».

وقد حاول ريتشارد كوهين في صحيفة «واشنطن بوست» التعامل مع قضية القداسة والحساسية. بيد أن النتائج غير مشجعة. فيرى أن بناء مركز ثقافي ياباني في بيرل هاربور سيكون إهانة، لكنه يرفض قياس بيرل هاربور بغراوند زيرو لأن 11 سبتمبر (أيلول) كانت عملا سيئا ارتكبه 20 أو نحو ذلك من الانتحاريين المجانين.

لكن ضخامة هذا العمل لا يمكن إلا أن يكون عملا مدبرا، وأن هؤلاء ليسوا مجانين، بل كانوا منسقين وغاية في التركيز وذوي عزيمة صلبة. ولم يكن الانتحاريون عشوائيين، بل كانوا أنشط عناصر حركة إسلامية عالمية متطرفة لديها خلايا في كل قارة وتحظى بدعم مالي وعقدي من جميع أنحاء العالم ولها ذراع إعلامية ودعائية ضخمة ومجموعات من المتعاطفين معها، كما هو الحال في شمال غربي باكستان الذين يحمونهم ويحرسونهم.

لماذا تشن الولايات المتحدة حروبا بطائرات من دون طيار في باكستان واليمن، ومراقبة آلاف المحادثات والتحويلات المالية كل يوم، والاشتراك في عمليات عسكرية ضد المسلمين المتطرفين في كل مكان بدءا من الفلبين إلى الصومال؟ هل ذلك بسبب 19 مجنونا قضوا جميعهم قبل تسع سنوات؟

على أي حال، فإن الإسلام المتطرف ليس الغالبية، لكن مع مموليه وشيوخه ودعاته ومدربي الانتحاريين والقادة والنشطاء والمتعاطفين - بحسب تقييم متحفظ، يستقطبون ولاء 7% من المسلمين، أي أكثر من 80 مليون شخص - يمثلون تيارا قويا داخل الإسلام، عمل على تغيير مسار دول وأثر على ملايين الأفراد. إنه السبب الذي حول كل مطار في الغرب إلى معسكر مسلح، وكل دولة إلى تحذير دائم.

الموقع زيرو هو موقع أشنع الهجمات القاتلة لهذه الحركة العالمية التي تتكون في أغلبها من مسلمين وتعمل باسم الإسلام ومتأصلة داخل العالم الإسلامي. هذه حقائق مؤسفة، لكنها حقائق، ومن ثم فإن وضع أثر إسلامي في هذا المكان ليس فقط فاقدا للحس، بل استفزازي!

كما أنه لا يفكر اليابانيون اليوم في زرع علمهم في بيرل هاربور، على الرغم من حقيقة أنه لا يحمل أي ياباني عمره أقل من 85 عاما مسؤولية هذا العمل الشائن، فإن ممثلي الإسلام المعاصر - الغالبية العظمى أبرياء على قدم المساواة من إثم هذا العمل الشرير الذي ارتكب في 11 سبتمبر باسمهم - يجب أن يظهروا احتراما مماثلا لما قد يسميه أوباما أرضا مقدسة، ويقبلوا بعرض حاكم الولاية.

* خدمة «واشنطن بوست»