من خرج ومن دخل

TT

خرج «الريان» من السجن في مصر، في اليوم الذي دخله «المهدي المنتظر». الأول كان يسرق أغنياء الناس وفقراءهم على السواء، الثاني غلبان كان يدفع له بالقروش والفراخ والكتاكيت. الريان جمع الملايين من الذين وعدهم بالمليارات، أما «المهدي المنتظر» (مع سابق الإصرار والاستمرار في الإصرار) فقد كانت وظلت لديه قناعة بأن لديه القدرة على شفاء، وليس معالجة، جميع الأمراض المستعصية: «قلنا جميع، يبقى جميع»، هكذا شدد أمام ضابط التحقيق.

أين المشكلة؟ لا هي في الريان، مبروك عليه حياة الحرية وعفا الله عما مضى، ولا هي في المخلوق حامل دبلوم التجارة الذي لم يعثر على أي عمل فقرر، مرة واحدة، أن يعمل «المهدي المنتظر». المشكلة في آلاف الناس من كل الطبقات، التي تصدق الريان وعمنا المهدي. قصص الاحتيال، الظريف منه والطريف الغليظ، عمرها من عمر الحداقة والغباء، والمشكلة الأكبر أن «الحدق» يعتقد أنه لن يضبط مثل غيره، وأن الغبي مقتنع بأن أحدا لا يستطيع أن يخدعه كما خدع سواه من قبل. ويتكرر المشهد، في كل حقبة، في كل بلد. مادوف حصد، على مدى سنين، أموال أشطر المستثمرين ورجال المصارف وحملة شهادات المحاسبة. لماذا؟ لأن هذه طبيعة البشر؛ إذا عرض عليك سمسار «موزون» عائدا 7% وأنت واثق من الحصول عليها، وعرض عليك عائدا 25% وأنت خائف من أن تخسر العائد والرصيد، فإلى من ستذهب؟ بشرفك، قل الحقيقة. أنا، بشرفي، ذهبت دوما إلى النوع الثاني. وخسرت معه.

الناس لا تحب من يصدقها القول. لا تحب المصرفي المحافظ، ولا تحب الطبيب الذي لا يضحك عليها، ولا تحب الخياط الذي يقول لها إنها قد زادت كيلو عن السنة الماضية، ولا تحب الذي ينصحها بشيء من الوقار لأنها تبدو مضحكة عندما تبلغ الستين ولا تزال مصرة على أنه ستعشر، أو بالأحرى «خمس عشرة» كما في أسوأ قصيدة كتبها نزار قباني وهو ينقل قصة «لوليتا» شعرا، فإذا بنا أمام فتاة وقحة، تزداد وقاحتها مقطعا بعد مقطع، وكلما توقفت لتقول: «صار عمري خمس عشرة». إن أسوأ أنواع المحتالين هم الذين لا يدخلون السجن، الذين درسوا «ثقوب» القانون ومهاربه، فيأخذون أموال البشر أو أرواحهم ثم يدعون أولادهم إلى الحديقة العامة. كان الريان مبكيا، وضحاياه في أغلبهم لا يثيرون الشفقة: عقد بين محتال طماع وطماع يتكل على طماع. أما «المهدي المنتظر» الذي لا يزال يصر في مركز الشرطة على أنه «المهدي المنتظر»، فوالله لعفوت عنه وذهبت أرسل ضحاياه إلى «العباسية». ماهو كلنا عباسية خالص.