لماذا ينبغي بناء المسجد؟

TT

في خضم الضجة التي أثيرت حول بناء مركز ثقافة إسلامي قرب موقع حطام مبنى التجارة العالمي ضاعت حقيقة بسيطة: وهي أن المعارضة للمركز هي أقوى دافع لإنشائه في المكان الذي حدد له. ووفقا لمعظم التفسيرات، فإن الكثير من المعارضة لبناء المركز الإسلامي في هذا المكان مبنية على خلط غير دقيق بين الإسلام والإرهاب، وهو خلط نابع من الجهل بالدين والثقافة الإسلامية والمسلمين. وعلى الرغم من أن هذا الأمر مقلق، فإنه ليس من المستغرب في بلد فيه أقلية كبيرة من الأميركيين يعتقدون أن رئيسنا المسيحي هو مسلم (وماذا لو كان كذلك؟).

إن نقل المركز الإسلامي إلى مكان آخر في مانهاتن سيوسع ويعمق الهوة بين المجتمع الإسلامي وجيرانه. وأفضل وسيلة لردم هذه الهوة هو مساعدة المعارضين على تفهم أن مخاوفهم ليست مبنية على واقع، بل هي وليدة أسطورة تم استغلالها بقسوة. ويمكن للمركز الثقافي الإسلامي المساعدة في ردم الهوة.

بطبيعة الحال، ليس من العدل أن نتوقع من الأقلية تثقيف الأغلبية، وخصوصا إذا كانت الأغلبية معادية لها. المحزن أن الأقليات تحملت على مدار فترة طويلة عبء الإثبات للأغلبية أنهم لا يشكلون تهديدا لهم، وأنهم ليسوا في مرتبة أدنى وأنهم يستحقون أيضا كل شيء تتمتع به الأغلبية كحق من حقوقها، وفي الوقت ذاته يتحملون بصبر سوء الفهم بل وحتى الانتهاكات التي تقع بحقهم. إنهم يقومون بكل ذلك في وجه الدعاوى بأنهم يسارعون ويزيدون من الضغوط ويجعلون الحياة غير مريحة على الإطلاق للآخرين.

كانت تلك هي القضية عام 1963 عندما اتهم القساوسة البيض في برمنغهام مارتن لوثر كنغ بالعمل على زيادة التوتر العرقي عبر قيادة المظاهرات ضد قوانين الفصل في المدينة. وقالوا إن هذه التصرفات غير عقلانية وفي غير محلها. ورد الدكتور كنغ برسالته من سجن برمنغهام التي كتب فيها «بصراحة، كان ينبغي مشاركتي في الحملة التي جاءت في توقيت جيد من وجهة نظر الذين عانوا بشدة من مرض التمييز. فعلى مدى سنوات كنت أسمع كلمة (انتظر)، التي كانت تصل إلى أذن كل زنجي بنغمة معروفة، وهي أن (انتظر) تعني أن ذلك لن يكون».

وبعد ما يقرب من 50 عاما كان المسلمون هم من طلب منهم الانتظار والتواري بعيدا عن الأنظار حتى يسمح الآخرون بوجودهم. وعلى الرغم من التغيرات التي حدثت خلال العقود الخمسة الماضية، فإن طبول الحرب التي تدق ضد المركز الإسلامي تحمل أصداء الدعوات المتعمدة والضالة لقساوسة برمنغهام.

وسيرا على نهج من طالبوا كنغ وأتباعه الذين وصفوهم «بالخارجين عن القانون» فإن أعداء المركز الثقافي يرون ضرورة نقل المركز الإسلامي إلى حي آخر لأن وجوده إلى جانب غراوند زيرو لا يبعث على الاستقرار ويمثل خطورة.

لكن اللجوء إلى نقل المركز الإسلامي بالقوة سيزيد من الجهل ويفاقم ويعزز الجهل وسيمنع الأميركيين من تعلم درس تعلمه كنغ والقساوسة وهو أن أي شخص يعيش في الولايات المتحدة لا يمكن أن يعتبر في أي مكان داخل حدودها دخيلا.

لو تأسس المركز في جنوب مانهاتن فإن الأشخاص الذين عارضوه الآن ستتاح لهم الفرصة في النهاية ليعلموا أن المسلمين ليسوا العدو. وأنهم ليسوا خطرين أو إرهابيين، أو حتى دخلاء. بل إن منهم السيدة التي تبتسم لهم في محل البقالة والمراهق الذي يشجع فريق اليانكيز والفتاة التي تلعب مع ابنتهم والمسلمون جيرانهم. فهم أميركيون وهم أصدقاء.

المركز الإسلامي بحاجة لأن يقام في المكان الذي خطط لينشأ فيه لأنه المكان الذي سيحدث فيه التغيير الإنساني. وبدلا من أن نطالب المسلمين بالانسحاب يجب على سكان جنوب مانهاتن أن يكونوا ممتنين من أن أقرانهم الأميركيين مستعدون للوقوف بحزم وبذل الجهود وتذليل العقبات لبناء الجسور، حتى يتحقق ما قاله كنغ «من تلاشي سحب سوء الفهم الكثيفة من مجتمعاتنا التي أغرقها الخوف».

* الكاتبة خبيرة العلاقات الحكومية والعلاقات العامة، وشغلت منصب المدير التنفيذي لمعهد ناشيونال أوربان ليجيو بوليسي في الفترة من عام 2005 وحتى 2010.

* خدمة «واشنطن بوست»