أفغانستانات العربية

TT

لا يمر أسبوع دون أنباء اشتباكات أو أعمال عنف واغتيالات في جنوب اليمن ينسب معظمها إلى عناصر من «القاعدة» التي يبدو أنها تحاول الاستيطان هناك عن طريق التنظيم الذي أنشئ في السنوات الأخيرة تحت مسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

وكما حدث في أفغانستان، فإن أتباع هذا الفكر العنيف يستغلون أوضاعا محلية مضطربة وغياب سلطة مركزية قوية في بعض المناطق من أجل مد نفوذهم وإنشاء معسكرات وقواعد لهم يستطيعون منها مد القلاقل، أو التخطيط لمؤامرات تفجير وإرهاب، ليس شرطا أن تكون في المكان الذي يتواجدون فيه.

وبعد أفغانستان والعراق اللتين شحن لهما الشباب بعد غسل أفكارهم ليصبح كل منهم انتحاريا أو قنبلة تمشي على رجلين، وجد هذا التيار ضالته في استراتيجيته الجديدة في محاولة تأسيس وضعية مماثلة لما كان عليه في أفغانستان من نفوذ وسلطة أيام حكم طالبان في مناطق عربية أو محاذية لها، مثل بعض مناطق اليمن، والصومال، ثم المناطق الحدودية الواسعة في دول أفريقية محاذية لدول المغرب العربي، وهناك حديث عن تنظيمات تحمل فكرا مماثلا تنشط حاليا في غزة، وكأن دول المنطقة ينقصها المشكلات أو المزيد من الاضطرابات لتضاف فوق التحديات الكثيرة التي تواجهها حاليا.

وبين هذه المناطق الجديدة التي تحاول عناصر «القاعدة» إيجاد موطئ قدم دائم لها، فإن أخطرها هو اليمن بسبب موقعه الاستراتيجي الهام، ولأنه سيكون في حالة تمكن هذا الفكر منه أخطر من أفغانستان أيام طالبان عشرات المرات.

صحيح أن السلطة المركزية في اليمن يختلف وضعها عن أفغانستان، فمؤسسات الدولة ما زالت قوية بما في ذلك أجهزتها العسكرية والأمنية، لكن تراكم وتصاعد المشكلات والتوترات جنوبا وشمالا (التمرد الحوثي) فوق التحديات الأخرى المتمثلة في مشكلات الاقتصاد والفقر والمياه إلى آخره لا بد أن يثير القلق على قدرة هذه المؤسسات على مواجهة كل هذا في وقت واحد.

وليس خافيا أن اليمن أصبح في مرتبة متقدمة بين بؤر الخطر الموضوعة على الخريطة العالمية بالنسبة إلى واشنطن وعواصم غربية أخرى، والبعض يتحدث عنه على أساس أنه مرشح إذا تفاقمت الأوضاع ليصبح أفغانستان أخرى في قلب المنطقة العربية.

وكالعادة فإن الدول العربية دائما ما يكون رد فعلها متأخرا، أو بعد أن تقع الأزمة أو الكارثة، بسبب الحساسيات أو المجاملات، في حين أنها كان يمكن أن تتفاداها لو تحركت قبل أن تستفحل الأمور.

بصراحة مسار الأحداث لا يدعو إلى الاطمئنان فيما يتعلق ببؤر القلاقل التي تنشط فيها عناصر «القاعدة» أو التنظيمات التابعة لها فكريا في المنطقة، وهو ما يحتاج إلى تفكير وتعاون عربي حقيقي في محاصرتها واستئصالها، واليمن يحتاج إلى حل عربي لمساعدته سياسيا وعسكريا واقتصاديا على تجاوز الأزمات التي يشهدها حاليا ويقطع الطريق على أي تدهور محتمل، فذلك أفضل من سيناريو مستقبلي نشهد فيه قوات دولية لمحاربة الإرهاب هناك على نمط أفغانستان الآن.