أميركا تدعم المالكي.. ما سر الغزل؟

TT

لا تزال تعقيدات الوضع العراقي على ما هي عليه. ومعضلة من يكون رئيس الوزراء ليست إلا محطة من محطات الفوضى السياسية. فالكثير من الملفات المعقدة يحتاج تفكيك معضلاته إلى قدرة قادر، والفرقاء متخاصمون، والفساد ينخر في جسد الدولة، والنقص الفظيع في الكهرباء طرح شكوكا لا حدود لها، والرعاية الصحية في أسوأ حال، ونحو ثلث العراقيين تحت خط الفقر، فيما بلغت عائدات النفط أرقاما قياسية. والمشردون والمهجرون يئنون خارج بلدهم، والاغتيالات بأسلحة كاتمة للصوت انتشرت في كل مكان، والأسوار الخرسانية لا تزال شاخصة داخل المدن، وسياسة التمييز و«التعدي» الطائفي مستمرة، والبرلمان معطل، والسلطة التنفيذية تعمل بلا رقيب، والجيش استعصى بناؤه، وبأنانية مفرطة حرم ذوو ضحايا العنف من غير الموظفين من الحقوق، وترك الأيتام والأرامل لقسوة الحياة بلا رحمة.

جماعات العنف تعمل على هواها، وتضرب في طول العراق وعرضه (عدا كردستان)، وكبار المسؤولين قابعون خلف الأسوار ولا يهمهم تناثر أشلاء الضحايا، وأجهزة الأمن والمخابرات معطلة، ليس لأنها حُرمت من الكفاءات فحسب، بل لأن ضباطها لا يستطيعون القيام بواجباتهم براحة ضمير وحيادية، خشية أن يوشى بهم. وفوق هذا كله، يقول الأميركيون إن العراق على الطريق الصحيح! ويدعمون تجديد سلطة المالكي! فما سر الغزل؟ وهل هو الطريق إلى التقسيم؟

كثيرون يلقون باللائمة على الدستور، ويقولون إنهم لم يتنبهوا إلى فقرات التعجيز، نتيجة نقص المعرفة. وهو وصف مخفف لخلفية معضلة كبيرة. فقد شارك أشخاص غير مختصين في كتابة أهم وثيقة، إلى جانب خبراء بعضهم من الفئويين. و«يستحيل» تعديل أي فقرة مهمة منه، بعد أن استغفلت شرائح واسعة من العراقيين بما قيل لها وفرض على أخرى. بيد أن أصحاب النيات السيئة ممن شاركوا في كتابة المعضلات، فاتت عليهم فقرات جعلت التفرد بالحكم عسيرا.

الاستعصاء السياسي لا يحل بالمجاملات وإطالة مدة الحوار. بل باللجوء إلى خيارات المكاشفة أمام الناس، التي تعقبها مساءلة تنصف حقوق الفقراء وحياتهم. ومثل هذا الموقف يفترض أن يكون موضع ترحيب حتى من قبل الحكومة الحالية، إن كانت واثقة من نفسها.. فهذه هي الديمقراطية.

وللإنصاف، فإن المجلس الأعلى قد برع في تبني خيار المكاشفة، بصرف النظر عن تفسير الدوافع، على الرغم من أنه تأخر في التوقيت، ربما طمعا في ترويض جناح المالكي. وخرج عبد المهدي عن سكوته ودبلوماسيته ملوحا بكشف موضوع الدعم والاتصالات بالمخابرات.

وعندما قال السيد الحكيم إن ما صرف على الكهرباء بلغ سبعة عشر مليار دولار، وطبعا لا تزال دون مستوى ما قبل السقوط بكثير، مقارنة بزيادة نفوس العراق، تصدى له وزيران من «دولة القانون».. ثم جاء الرد من وزير المالية المهندس بيان جبر. فما نسب إليه يشير إلى صرف سبعة وعشرين مليار دولار على الكهرباء، ولا يعرف أين ذهبت! وهو مبلغ يكفي لتأمين طاقة تفيض عن أربعة أضعاف حاجة العراق من الكهرباء! وطالب بمناقشة الموضوع أمام عدسات الفضائيات، متحديا خصومهم السياسيين. ودخل قيادي بارز آخر من المجلس على خط المكاشفة أيضا، بقوله إن البرلمان صرف للحكومة نحو 220 مليار دولار حتى نهاية 2009، عدا ميزانية إقليم كردستان وميزانية الرئاسات. فيقترب الرقم من 300 مليار. فهل فعل ملوك العراق 1% من هذا ليفعل بهم رعاع غوغاء من العسكريين والمدنيين ما فعلوا؟

وليت الوزراء المعنيين من «السنة» يتحدثون بهذا النمط من مكاشفة قيادة المجلس الأعلى، لا أن يغلب على بعضهم الشعور بالضعف والتبعية، كأن الوظيفة منة عليهم، لأنهم من «الأقلية» كما يصف الطائفيون. ولسوء حظ هذه الشريحة أن وزراء أعطيت لهم«حصتها» فتخلوا عن التزامهم معها في أول اختبار!

والملفات التي ينبغي فتحها ليست مرتبطة بطرق صرف المال العام وحدها، بل بسياسات كارثية، لو اهتم الأميركيون بأبعادها الخطيرة على مستقبل العراق والمنطقة، لما أظهروا انحيازا لصالح المالكي، على الرغم مما قدم لهم من خدمات. ففي هذا تجاوز كبير وخطير في حقوق المظلومين.

المكاشفة المفتوحة من أبسط حقوق المواطنين، لأن بلدهم ليس ضيعة للحاكمين، وأمواله ليست بيت مال الحاكم وتابعيه. مع ضرورة التمييز بين حزب الدعوة عموما وفريق الحكم المحسوب عليه أو منه.