أحمد البقالي.. وداعا رائد الخيال العلمي العربي

TT

انتقل مؤخرا إلى رحمة الله في العاصمة المغربية الرباط الكاتب والأديب المغربي أحمد عبد السلام البقالي، الذي يعتبر من أبرز رواد أدب الخيال العلمي العربي والقصة البوليسية وأدب الطفل في المغرب والعالم العربي، فقد أسهم بالعديد من الإسهامات والأعمال الإبداعية المميزة التي أثرت الحياة الثقافية والأدبية المغربية والعربية.

ولد الأديب الراحل في مدينة أصيلة المغربية سنة 1932، وحصل على شهادة التوجيهية من القاهرة، وفي عام 1955 التحق بجامعة القاهرة وتخرج بشهادة الليسانس في علم الاجتماع، والتحق عام 1959 بجامعة كولومبيا، حيث تابع دراسته في علم الاجتماع، وعين الراحل عام 1962 ملحقا ثقافيا بسفارة المغرب بواشنطن، وفي عام 1965 عين قنصلا عاما ومستشارا صحافيا بسفارة المغرب بلندن، ليعود سنة 1967 إلى واشنطن مستشارا ثقافيا، وفي عام 1971 عاد إلى المغرب ليلتحق بالديوان الملكي المغربي.

وكان الأديب الراحل عضوا في لجنة جائزة المغرب الكبرى للكتاب ولجنة الكلمات بالإذاعة الوطنية واتحاد كتاب المغرب ولجنة تحرير مجلة «الثقافة» المغربية ولجنة جائزة أدب الطفل.

وتعد رواية «الطوفان الأزرق» من أبرز روايات الأديب الراحل الرائدة في مجال أدب الخيال العلمي العربي، فقد أزعجه وأخافه مصير الحضارة البشرية وكنوزها، إذا ما قامت حرب ذرية وشغل تفكيره في وسيلة للحفاظ عليها، فأطلق لخياله العنان فكتب هذه الرواية التي نشرت عام 1976، واقترح فيها خزن كنوز الفكر البشري في مكان أمين بقلب الأرض، سماه «جبل الجودي» نسبة إلى الجبل الذي رست عليه سفينة نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين نجاة من العذاب بالطوفان، وقد تنبأ البقالي في روايته بالعديد من الأفكار العلمية التي أصبحت الآن حقائق علمية واقعة.

وعن تجربته في كتابة هذه الرواية، يقول البقالي: «انتهيت من كتابة هذه الرواية عام 1968 في واشنطن أيام عملي هناك مستشارا ثقافيا بسفارة المغرب، حيث كان العالم الغربي يعيش في أواسط الستينات أزمة صواريخ كوبا، وكنا - نحن سكان واشنطن آنذاك - مهددين بأول غارة ذرية في تاريخ البشرية، وكان الاتحاد السوفياتي على عهد خروشوف قد نصب عددا من الصواريخ المزودة برؤوس نووية موجهة إلى أكبر وأهم المدن الأميركية، وعلى رأسها واشنطن ونيويورك، وكذلك كانت للولايات المتحدة صواريخ نووية موجهة إلى مدن الاتحاد السوفياتي وكان القطبان مهددين بالدمار الشامل المتبادل، الأمر الذي جعل وضعنا على كوكب الأرض أشبه بوضع قوم نوح قبيل الطوفان، إلا أن الطوفان الإشعاعي - الأزرق - كان سيكون أشد فتكا في غياب سفينة نوح معاصرة»، ويستطرد البقالي قائلا: «ما أزعجني هو مصير الحضارة البشرية وكشوفها العلمية وكنوزها الفكرية وروائعها الأدبية والفنية، ومن ثم شغلني التفكير في وسيلة للحفاظ على هذه المكتسبات الإنسانية، فكانت هذه الرواية وكان اقتراحي الوارد فيها بخزن كنوز الفكر البشري في مكان أمين بقلب الأرض، بحيث تعثر عليه البشرية القادمة بعد عشرة آلاف سنة المقدرة لزوال الإشعاع الذري، وبقيت الرواية جاهزة للطبع حتى بعد أن عدت إلى المغرب عام 1971، إلى أن نشرت عام 1976». ويرجع الأديب الراحل البقالي سبب عدم انتشار أدب الخيال العلمي في عالمنا العربي، بقوله: «إن الأدب ابن بيئته، ولولا وجودي في أميركا لمدة طويلة، وقراءاتي لعدد كبير من روائع أدب الخيال العلمي، ما كنت انفعلت لأزمة صواريخ كوبا ولا كتبت رواية (الطوفان الأزرق)، كما أن كلمة (خيال) تحجب كلمة (علمي) وتقلل من شأنها في نظر ناشرينا قبل قرائنا».

وفي عام 2008 تتحول بعض أفكار رواية «البقالي» إلى واقع، فقد تم في النرويج تدشين ما يعرف بـ«سفينة نوح» لمملكة النباتات لحماية التنوع النباتي من التغير المناخي والحروب والكوارث الطبيعية وإهمال البشر، حيث سيتم تخزين بذور المحاصيل الزراعية العالمية تحسبا لوقوع كارثة، وقد أقيم هذا القبو المحفور في صخور جليدية في كهف في سفح جبل ناء على بعد نحو 1000 كيلومتر من القطب الشمالي، كما أنه محكم الهواء تماما وسيظل في حالة تجمد لمدة 200 عام وقادر على استيعاب 5.4 مليون عينة من البذور بما يضمن استمرارية الفصائل الرئيسية من الأنواع الزراعية إذا اندثرت من محيطها الطبيعي.

نسأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته ويجزيه خير الجزاء عما قدم لوطنه وأمته من جليل الأعمال، وأن يلهم أهله وذويه جميل الصبر وحسن العزاء.