هل اليونان أفضل من تركيا؟

TT

لا شيء يتغير حقا عندما يقول الأتراك واليونانيون لبعضهم البعض «دعني أبعد القذى الذي في عينك»، في الوقت الذي لا يفطنون فيه إلى الخشبات التي في عيونهم.

عندما أكتب مقالة ما أنتقد فيها دولة، على المشكلات التي تثيرها قضايا حساسة مثل الحرية الدينية، دائما ما أواجه برد الفعل ذاته: دائما ما يرسل إليّ الداعمون لتلك الدولة رسائل غاضبة يسألونني فيها «لماذا لا تنظر إلى المشكلات على الجانب الآخر؟».

واجهت ردة الفعل هذه عقب مقالتي الأخيرة التي نشرتها هذه الصحيفة «عدم صلب المسيحيين الأتراك»، والتي انتقدت فيها تركيا على عدم احترام حقوق مواطنيها اليونانيين الأرثوذوكس. وردا على المقالة وصلتني العديد من رسائل البريد الإلكتروني التي تسألني عن السبب في عدم تناولي للمشكلات التي تواجهها الأقلية التركية في اليونان. كان من بينها رسالة مطولة ورقيقة وردتني من تركي يعيش في الولايات المتحدة أورد فيها العديد من الفظائع التي ارتكبتها الحكومة اليونانية. واسمحوا لي أن أطلعكم على بعض هذه النقاط التي حملتها الرسالة. أولاها تلك الحقيقة المخزية بأن أثينا المدينة الأوروبية الوحيدة التي تخلو من المساجد على الرغم من احتضان اليونان لأكثر من 700000 مسلم على أراضيها. (كانت هناك العشرات من المساجد خلال فترة الحكم العثماني، لكن جميعها تعرضت للتخريب أو تحولت إلى كنائس في القرن التاسع عشر).

ومن ثم فإن تركيا أكثر حرية من اليونان، فعندنا العديد من الكنائس (والمعابد اليهودية) في اسطنبول وفي أماكن أخرى من البلاد. وعلى الرغم من وجود بعض المتطرفين الذين يرغبون في إغلاق هذه الكنائس والمعابد فإنها تقدم خدماتها في حرية تامة.

بيد أن بعض المشكلات الأخرى التي أوردها القارئ التركي المقيم في اسطنبول تبدو مألوفة بالنسبة لي، وكي أكون أكثر دقة تبدو مشابهة للسياسات التركية العتيقة تجاه بعض أبناء الشعب التركي.فاليونان على سبيل المثال تصف مواطنيها الأتراك بـ«المسلمين» منكرة حقيقة أنهم مختلفون عرقيا ودينيا عن الأغلبية في البلاد. وقد كان ذلك السبب في قرار المحكمة اليونانية في عام 2001 بمنع تأسيس «الاتحاد الثقافي للنساء الأتراك لإقليم رودوبي»، وقالت المحكمة في قرارها إن عبارة «نساء أتراك» يمكن أن تضلل العامة بشأن أصول أفراده.وقد لخص لي القارئ المقيم في الولايات المتحدة ما يرمي إليه قرار المحكمة والقرارات الأخرى المشابهة له، وهو أن «اليونان تحظر استخدام كلمة تركي وأقلية في تسمية المؤسسات بغية القضاء على الهوية الثقافية للأقلية التركية». ولو أننا قمنا باستبدال كلمات «اليونان» و«الأتراك»، في الجملة السابقة بـ«تركيا» و«الأكراد» لربما شهدنا تطابقا تاما. كان القارئ التركي يخبرني أيضا كيف عملت اليونان على الحيلولة دون حصول الأقلية التركية على حقوقها السياسية، عندما قامت الحكومة بتعيين مفتين في مقابل السماح بانتخاباتهم العامة، ووضعت عقبة نسبة الـ3 في المائة في وجه مرشحي الأقلية الكردية المستقلين لإجبارهم على الانضمام إلى الأحزاب السياسية اليونانية. ومرة أخرى يبدو الأمر معتادا للغاية بالنسبة لي، فعلى مدى سنوات كانت دولتنا تبذل ما في وسعها لتحجيم التمثيل الذاتي الديمقراطي للمواطنين الأكراد. ويعلم الجميع أن السبب الرئيسي وراء نسبة الـ10 في المائة من الدوائر الانتخابية هو لمنع الأحزاب الموالية للأكراد من الوصول إلى البرلمان.

المشكلات في اليونان كثيرة ويلخصها تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» بالقول: «الدولة اليونانية لم تتمكن من قبول حقيقة أن المرء يمكن أن يكون مواطنا يونانيا مواليا للدولة، وفي الوقت ذاته من عرقية تركية يعتز بثقافته ودينه». ومرة أخرى، فإنه في حالة استبدال كلمة «اليونان» والأتراك» هنا بـ «تركيا» و«الأكراد» سيكون هناك تطابق تام.

يبدو أن كلتا الدولتين الواقعتين على بحر إيجة تطاردهما المخاوف ذاتها وتنتهجان حلولا سيئة متشابهة. وسائل الإعلام في كلا الجانبين متشابهة في الطريقة التي يركزون بها فقط على المشكلات في الجانب الآخر. فنحن الأتراك نشكو من محدودية الحقوق التي ينالها أبناؤنا في تراقيا الغربية، فيما يواصل اليونانيون الشكوى بشأن الحقوق المحدودة التي يتمتع بها أبناؤهم والبطريركية المسكونية في اسطنبول، لكن هذه الكلمات المجردة لم تدفع أحدا إلى التحرك ومن ثم لم يتغير شيء. وبعبارة أخرى (وردت في الإنجيل)، فإن شيئا لن يحدث عندما تقول للآخر «دعني أبعد القذى الذي في عينك في الوقت الذي لا تفطن فيه إلى الخشبة التي في عينك أنت». الحقيقة أن المشكلة ذاتها توجد على نطاق عالمي، فالغربيون على سبيل المثال، مخطئون عندما يلقون باللائمة على العالم الإسلامي فقط بنقص الحريات مع أنهم في الوقت ذاته يغضون الطرف عن دورهم الجزئي في صنعه - تاريخيا - عبر الاحتلال ودعم الأنظمة الديكتاتورية أو ازدواجية المعايير في الشؤون الدولية. وفي المقابل فالمسلمون مخطئون أيضا عندما يتحدثون فقط عن آثام الغرب، في الوقت الذي لم يتعاملوا فيه بصدق مع التضييق بل وحتى التهديدات التي تواجهها الأقليات. ولعل الشيء الصحيح الذي ينبغي علينا القيام به ألا نعمد إلى انتقاد الدول أو الحضارات الغربية وفقط بل وأبناء جلدتنا أيضا، لأنه حينها سنتحدث بأمانة، وحينها فقط سنحدث اختلافا واضحا.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية