دواؤك ليس عندي!

TT

ونحن صغار كنا نلجأ إلى حيلة سهلة، وهي أن نجمع أكبر عدد ممكن من الآراء لكبار الأدباء والمفكرين. فنوجه سؤالا إلى أساتذتنا: العقاد وطه حسين والمازني وأحمد الزيات ولطفي السيد، وكثيرين غيرهم. وهي حيلة سهلة لا تكلف الواحد منا إلا مكالمة تليفونية لهؤلاء الطيبين الممتازين الجادين في توجيه النصيحة لنا. إذا طلبناها أو لم نطلبها.

ذهبت مع زميل لنا حصل على الماجستير والدكتوراه ويريد أن يستكمل دراساته في أوروبا، فما النصيحة. قال له الأستاذ العقاد: أي نصيحة يا مولانا؟ أنت قد اخترت العلم. ويجب أن تمضي. فقلت: يا أستاذ.. إنه يريد أن يسأل إن كان يتزوج في هذه الفترة؟ فاعتدل العقاد في جلسته وقال: إن المرأة سوف تخيرك بينها وبين العلم. هي أو هو. فما الذي تستطيعه يا مولانا. لا تتزوج حتى تعود!

وكأن العقاد قدم حلا سهلا نهائيا. ولم يشرح له، ولكن لماذا؟ إنه قرار أصدره العقاد وهو واجب النفاذ.

ذهبنا إلى أستاذنا طه حسين، فقال: هناك صعوبات كثيرة لن تقوى عليها.. وإذا كنت قد صبرت كل هذه السنوات فأكملها. يعني: الزواج عبء ثقيل على من يطلب العلم، وحتى على من يطلب المال. ولكن إن استطعت أن تجد حلا لمشكلاتك، فالزواج عصمة لك. وأهل مكة أدرى بشعابها ها.. ها.. ها..

وذهبنا إلى أستاذنا توفيق الحكيم، وكنت قد حدثته في التليفون. فوجدناه قد استعد لذلك بأن وضع أمامه عددا من الكتب. فلم نكد نسأله حتى قال: عندك صفحة في هذا الكتاب.. مش انتم بتوع فلسفة.. وهذه نصيحة فيلسوف. وقرأ نصيحة الفيلسوف: يا بني أما بعد، فكن مع الناس كلاعب الشطرنج. تحفظ شاهك (ملكك) وتأخذ شاههم.. فإن مالك إذا خرج من يدك لم يعد مالك. واعلم أن الدينار محموم فإذا صرفته مات.. واعلم أنه ليس شيء أسرع فناء من الدينار إذا كسر، والقرطاس إذا نشر والجلد إذا قشر والثوب إذا قصر.. والدرهم مثل الطير الذي هو لك ما دام في يدك فإذا طار صار لغيرك. قال الشاعر:

قليل المال تصلحه فيبقى

ولا يبقى الكثير مع الفساد

فحفظ المال أيسر من بغاه

وسيرٌ في البلاد بغير زاد

ولمّا لاحظ توفيق الحكيم أن نصيحته لا أثر لها على وجوهنا سألنا:

هوه رايح يدرس إيه؟

قلت: فلسفة؟

قال: فلسفة؟ فقري يعني! مالوش دوا عندي هاها!