لصوص «زهرة الخشخاش»

TT

سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» السبت الماضي من أحد متاحف القاهرة أقامت الدنيا ولم تقعدها، واللوحة تستحق هذا الاهتمام، فهي تقدر ماديا اليوم بأكثر من 50 مليون دولار، لكن قيمتها الفنية - وهي الأهم - لا يمكن تقديرها بثمن. وسرقة لوحة «زهرة الخشخاش» تعيد إلى الأذهان سيرة مبدعها الفنان الهولندي فانسنت فان غوخ، الرجل الذي كان يضطره الفقر إلى الاستغناء عن الطعام بأكواب من القهوة، بغية شراء بعض الألوان، ويدهشنا ونحن نقرأ كتاب يوسف فرنسيس «رحلات الحب والجنون» كيف أن أسرة ذلك الفنان حققت - بعد موته - قدرا كبيرا من الثراء نظير بيع لوحاته وألوانه، وهو الذي لم يبع في حياته كلها سوى لوحة واحدة، فلوحات هذا الفنان الذي عاش فقيرا ومات فقيرا تعد الآن أغلى لوحات في العالم، ولم يقتصر الأمر على لوحاته فحسب، وإنما امتد إلى سائر آثاره، حتى الرسالة التي كان يطلب فيها أن يقترض 40 فرنكا بيعت بعد موته بـ40 ألف فرنك!

لقد عاندت الشهرة هذا الرجل حيا إلى درجة العصيان، حتى اللوحة التي رسمها لطبيبه الذي يعالجه، وقدمها هدية إليه، كان مصيرها حظيرة الدجاج، وحينما سمع الطبيب بعد زمن بموت الفنان فان غوخ، وانطلاق شهرته، حاول أن ينقذ ما تبقى من اللوحة من نقر الدجاج وفضلاته، وسارع إلى بيعها بأغلى الأثمان.

وقد قضى هذا الفنان العبقري جزءا من حياته في المصحات العقلية، بعد تدهور حالته النفسية، خاصة حينما قطع أذنه ندما على أثر شجار مع صديق، وحملها بعد ذلك في منديل ليقدمها إلى حبيبته برهانا على صدق حبه، وبلغت مأساة الرجل ذروتها بإطلاق النار على نفسه، ليسدل الستار على حياة حافلة بالفنون والجنون والشقاء.

وأشهر اللوحات في العالم تعرضت للسرقة، ومن هذه اللوحات «الموناليزا»، رائعة الفنان ليوناردو دافنشي، التي تمت استعادتها بعد سنوات، وسارقو اللوحات الشهيرة مثل «زهرة الخشخاش» عادة ما يكونون مرضى نفسيين، تضخمت لديهم نزعة التملك، وحيازة ما يمتلكه الغير، ويحظى باهتمامهم، لأن مثل هذه اللوحات المسروقة - على الرغم من أثمانها الباهظة - يتعذر بيعها أو عرضها في العلن، وبالتالي فإن سارقها - في الغالب - لا يحقق أي مكاسب تذكر، بل هو يتسبب في حرمان الملايين من عشاق هذا الفن العظيم من مشاهدة وتأمل تلك الروائع الفنية المبهرة.

شيء واحد من المستحيلات تمنيته، لو أن فان غوخ - الرجل الذي أتعبته الدنيا - يعلم الآن كيف أن سرقة لوحة من لوحاته ترفع درجة التفتيش في المطارات، وتشغل الشرطة الدولية (الإنتربول)، وتنشر أخبارها الصحف، وتناقش قضيتها القنوات الفضائية، أغلب الظن أنه كان سينظر إلينا محتدا ومحتجا، وهو يقول: لماذا كان على العالم انتظار موتي ليعترف بموهبتي؟!

[email protected]